الفاصل الزمني بضعة شهور فقط بين مقال نشرته بتاريخ 04-06-2023 تحت عنوان «صوتي لمن» وبين هذا المقال، وعلى الرغم من اختلاف المعطيات فإن الاختيار ما زال يقوم على المبادئ ذاتها، وعلى الاعتبارات الاجتماعية والأيديولوجية والدينية التي من شأنها توجيه قناعات الناخبين بخلاف فكرة حسن الاختيار، ومن ثم الانحراف عن قيم الإصلاح، لذلك ستظل إمكانية التغيير مقيدة بتلك الاختيارات التقليدية.
مع كل هذه القيود إلا أن صناديق الاقتراع دائماً ما تفاجئنا بأسماء غير متوقعة تستطيع اختراق تلك المنظومة بسبب قدراتهم على الإقناع وتوجيه الدفة باتجاه آخر، فمع كل انتخابات يبرز مصطلح المعارضة والمولاة، ولكن ومن أجل الدقة في التعبير يمكن وصف هذا المصطلح باصطفاف المصالح الذي يقوده ويسيطر عليه الوكيل الحصري لمسرح العرائس.
توقعات التغيير في معظم الدوائر الانتخابية بحدود 30% وقد تزيد لأسباب عديدة منها عودة العديد من النواب السابقين للانتخابات الحالية بعد عزوفهم عن الانتخابات الماضية، وبروز أسماء جديدة دخلت على خط المنافسة بسبب امتلاكها مقومات النجاح وطرحها المميز، أضف إلى ذلك شطب واستبعاد بعض المرشحين ممن كانوا أعضاء في المجالس السابقة لهم حظوظ بالفوز والعودة مرة أخرى إلى الكرسي الأخضر.
في هذه الانتخابات حضرت بقوة برامج تحليل الدوائر، وهو أمر جيد ومفيد للمرشحين والناخبين إن كانت المنهجية المستخدمة في قياس اتجاهات الناخبين تخضع للمعايير الإحصائية السليمة، وهذي النقطة عندي شك وتحفظ عليها بسبب تباين نتائج كل استطلاع ومن يقوم عليها.
التسويق لبعض المرشحين بعينهم واضح، وكذلك الإيحاء بأن هناك مرشحين مضمونين قد حجزوا مقاعدهم وأنهم «فايزين فايزين» مما سيترتب عليه تحويل بعض أصواتهم لمرشحين آخرين أو تقاعس ناخبيهم عن التصويت لهم بحسبان أنهم «فايزين فايزين»، ناهيك عن أن تلك التحليلات قد تقضي على آمال مرشحين آخرين بالمنافسة.
اللافت أيضاً أن بعض المحللين السياسيين يطرح موضوع التقسيمات القبلية والحزبية بالتفصيل، وهذا لن يصب في مصلحة الممارسة الديموقراطية على المدى البعيد، ويزيد تقسيم المجتمع المقسم أصلًا، وقد يقضي على آمال الكثير من الراغبين في الترشح بالانتخابات القادمة من الكفاءات التي تمتلك طرحاَ وطنياً سياسياً رقابياً تشريعياً مميزاً بسبب عدم انتمائهم إلى قواعد اجتماعية أو تيارات حزبية تزكيهم.
ما نحتاجه اليوم تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة والفئوية، فعندما يصل المرشح إلى مجلس الأمة، وبغض النظر عن مجموع الأصوات التي تحصل عليها فإنه سيمثل الأمة بأسرها، فالتحديات كبيرة والاستحقاقات أكبر ومسارات الإصلاح تتطلب منا جميعاً العمل على ترسيخها، لذلك هذه المرة سأهتم أكثر بحث أسرتي الصغيرة وكل معارفي وأصدقائي على المشاركة وحسن الاختيار بحسب قناعتهم ومن يعتقدون أنه سيمثل مصالح كل المواطنين.
ودمتم سالمين.