إدراكاً لأبعاد خطورة التعديلات التي أقرها المجلس البلدي بشأن مواصفات السكن الخاص والنموذجي في لائحة أعمال البناء الجديدة، تعالت الأصوات القادمة من أعضاء في «البلدي» ومعنيين بالشأن العمراني، والتي تؤكد أن تلك التعديلات تنذر بعبث إضافي في البنية العمرانية من شأنه تدميرها، مع تحويلها السكن النموذجي إلى مناطق استثمارية خفية.
واستناداً إلى ما أعلنه عدد من أعضاء «البلدي» على مدى 16 اجتماعاً لمناقشة اللائحة، بدا واضحاً أن ثمة ملاحظات جوهرية على المواصفات، حيث اعتبروا أن جزءاً أساسياً من تلك التعديلات جاء وليد تدخلات أفضت إلى تغييرات كبيرة في البنود وتلاعب بالنموذج العمراني، بذريعة التوسع في مفهوم السكن العائلي، والعائلة الواحدة الممتدة في السكن الخاص، وهو توسع قد يقود لاحقاً إلى المطالبة بزيادات في مسطحات البناء وارتفاعاتها بما يناسب تعداد أبناء الأسر.
وقالوا، خلال مناقشتهم اللائحة، إن المناطق السكنية، والتي أصبح بعضها مشبعاً بالعشوائيات نتيجة لاختلالات في الاستثناءات، باتت عرضة لعبث عمراني إضافي بموجب التعديلات الجديدة، مشيرين إلى أن زيادة ارتفاع السكن من 15 إلى 20 متراً ستفتح باب ارتفاعات الأبنية على مصراعيه.
ويبدي أعضاء آخرون في «البلدي» خشيتهم من زيادة طوابق البناء إلى أكثر من 3 أدوار إذا ما أخذ في الاعتبار وضع حد معين لارتفاع الدور الواحد بـ 4 أمتار، علماً أن التوسع في البناء لا يقتصر على ارتفاعات العمران، بل يشمل كذلك التوسع في المسطحات من خلال كثرة استثناءات المساحات التي لا تحسب كالموزعات وبيت الدرج والأدراج وغرف المكائن، فضلاً عن السماح بالبناء على حد العقار 90% من طول الواجهة في الدور الأرضي مع إلغاء جزء كبير من الارتدادات المخصصة للمواقف بنسبة 40%، بعدما كان السماح بالبناء من الارتداد في اللائحة الحالية 50% فقط.
من جهتها، اعتبرت عضوة «البلدي» منيرة الأمير أن تضاعف الكثافة السكانية من شأنه أن يحول المناطق إلى استثمارية خفية، بالإضافة إلى ما سيرتبه ذلك من ضغط على الخدمات العامة، خصوصاً أن المناطق النموذجية تم تجهيز بنيتها التحتية من الكهرباء والماء وشبكات الصرف الصحي والاتصالات والشوارع وغيرها من الخدمات، وفقاً لمتوسطات سكنية معينة، إضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية في هذه المناطق والتي ستعاني بمرور الوقت لزيادة الطلب عليها مع محدودية الموارد المخطط لها مسبقاً، هذا إلى جانب أن كثيراً من الخدمات الرئيسية في المناطق السكنية هي خدمات مدعومة للمواطن بغرض السكن الخاص لا الاستثمار.
وفي قائمة المحاذير أيضاً، ذكرت منيرة الأمير أن التعديلات ستترك أثرها الكبير على البعد الاجتماعي لمناطق السكن الخاص وتفتح الباب أمام الاستغلال الاستثماري الذي سيغير بمرور الوقت ثقافة وطبيعة سكان المناطق النموذجية ويخلق مجالاً غير مبرر لتغيير ثقافة المجتمع.
بدورها، أكدت عضوة «البلدي» م. علياء الفارسي عدم وصول تعديلات اللائحة إلى الغاية المرجوة للتخطيط الهندسي الحضري المستدام.من جهته، رأى العضو السابق في «البلدي» حسن كمال أن ما يضاعف المخاطر المحتملة جراء تعديلات «البلدي» على لائحة البناء يكمن أيضاً في ضعف الرقابة على التفاصيل الإنشائية في المباني السكنية، وهو ما قد يشجع الكثيرين على استغلال التعديلات بالشكل الخاطئ للاستفادة المادية والتجارية.
وفي تفاصيل الخبر:
فتحت موافقة المجلس البلدي على تعديلات جدول الاشتراطات والمواصفات الخاصة للسكن الخاص والنموذجي في لائحة أعمال البناء الجديدة، الباب أمام الفوضى العمرانية في المناطق السكنية عبر تعديلات غير منطقية بعد انتظار 15 عاماً.
ونتيجة بعض الترضيات، غلب التوجه للاستثمار الخفي في المناطق السكنية، التي أصبح أغلبها مشبعاً بالعشوائيات بسبب اختلالات في الاستثناءات لتأتي التحديثات الجديدة وتعطي الاستثناءات غير المنطقية إطاراً قانونياً دون النظر في حاجة التخطيط العمراني وأثرها على المناطق السكنية.
وتبدأ أولى النوايا بالتعريفات التي انتقلت من مسمى السكن العائلي إلى مسمى العائلة الواحدة الممتدة في السكن الخاص، ما ينذر بمخالفة التعريف لمرسوم فرز القسائم في السكن الخاص والنموذجي.
وجاءت أول الرسائل التي قدمها أعضاء البلدي من خلال التعديلات، زيادة ارتفاع السكن مترين مقارنة باللائحة المعمول بها حالياً، والتي كانت 15 متراً و3 في السطح لتصبح 20 متراً إجمالي في اللائحة الجديدة، ما سيفتح ملف تطاول البنيان على مصراعيه إلى أكثر من 3 أدوار إذا أخذ في الاعتبار وضع حد معين لارتفاع الدور الواحد 4 أمتار.استثناءات المساحات
فضلاً عن كثرة استثناءات المساحات التي لا تحسب الموزعات، بيت الدرج، الأدراج، غرف المكائن، وغيرها من المساحات، فضلاً عن السماح بالبناء على حد العقار 90% من طول الواجهة في الدور الأرضي مع إلغاء جزء كبير من الارتدادات المخصصة للمواقف بنسبة 40%، بعدما كان السماح بالبناء من الارتداد في اللائحة الحالية 50% فقط، وجميع ما سبق طفرة غريبة إضافية في البناء.
وألغى الجدول الجديد السماح بعمل سردابين والاكتفاء بسرداب واحد، الأمر الذي كان واضحاً أن وضع السردابين لم يكن حاجة ضرورية في بناء المساكن ولا يصب في مصلحة تطور الشكل العمراني في المناطق، بل يعطي صورة تتماشى مع رغبات بعض المستفيدين.16 جدولاً
الأمر لم ينته إلى هنا، فما ذكر غيض من فيض في جدول واحد من جداول المشروع الجديد للائحة أعمال البناء التي تحتوي على أكثر من 16 جدولاً، تنطوي تحتها معايير واشتراطات قد تؤدي إلى تداخل في طبيعة كل منطقة ما سيضيع البوصلة العمرانية في مساحات الدولة المختلفة.
ارتفاع المباني 20 متراً
وأكدت منيرة الأمير أن زيادة الارتفاع الخاص بمبنى السكن الخاص إلى 20 متراً يفتح المجال أمام تخطيط مختلف للمباني، مشيرة إلى احتمالية فتح الباب لتحويل المناطق السكنية التي اعتادها المجتمع الكويتي وتربى عليها للاستغلال الاستثماري ولو على سبيل الاحتمال هو أمر خطير جدا يجب الانتباه منه.
وبينت أن المناطق تم تجهيز بنيتها التحتية بطريقة تناسب الشكل الحالي من الكهرباء والماء وشبكات الصرف الصحي والاتصالات والشوارع وغيرها من الخدمات، وضعت لمتوسطات معينة، إضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية في هذه المناطق، والتي ستعاني بمرور الوقت لزيادة الطلب عليها مع محدودية الموارد المخطط لها مسبقاً وهذا الأمر بالتبعية.البعد الاقتصادي
ولفتت منيرة الأمير إلى أن ذلك سيؤثر على الأثر الاقتصادي وهو البعد الثاني للأمر، حيث إنه من الطبيعي أن ترتفع كثافة هذه المناطق إذا افترضنا تحويلها ولو جزء منها إلى استثماري خفي ناتج عن سوء استغلال هذه القرارات في هذه المناطق ما سيتوجب على الدولة بمرور الوقت صيانة ورفع كفاءة البنية التحتية ودفع تكلفتها من ميزانية الدولة وبلا طائل أو عائد في المقابل.
عبء مالي
وأضافت منيرة الأمير أن العبء المالي الذي ستتحمله الدولة والناتج عن صيانة ورفع كفاءة البنية التحتية ليس هو فقط ما سيحدث، حيث إن الخدمات الرئيسية في المناطق السكنية هي خدمات مدعومة من الدولة لمصلحة المواطن بغرض السكن الخاص وليس الاستثمار، متسائلة: «ماذا سيمنع المستغلين من الاستفادة من هذا الدعم دون وجه حق؟».
ولفتت إلى ضعف الرقابة على التفاصيل الإنشائية في المباني السكنية عنها في المباني التجارية والاستثمارية، والتي تمر بالعديد من الإجراءات من أجل تنفيذها وترخيصها والمراقبة عليها، وهذا ما لا يحدث في حال أبنية السكن الخاص وهو أمر آخر يضاف إلى أسباب قد تشجع الكثيرين على الالتفاف حول القرار واستغلالها بالشكل الخاطئ للاستفادة المادية والتجارية. البعد الاجتماعيوأوضحت منيرة الأمير أنه «من الضروري ألا يتم نسيان البعد الاجتماعي، وهو بلا شك المحرك الرئيسي لرفضي التام لهذه المقترحات بالمعطيات الحالية التي قدمت بها، فتغيير طبيعة المناطق السكنية وفتح الباب أمام استغلال استثماري خفي لها سوف يؤثر على الكويتيين بشكل مباشر وسيغير بمرور الوقت من ثقافتهم وطبيعتهم ويخلق مجالاً غير مبرر لتغيير الثقافة العميقة في المجتمع».
حرية المالك
من جانبها، أكدت عضوة المجلس البلدي م. علياء الفارسي عدم الوصول إلى الغاية المرجوة من خلال تخطيط هندسي حضري مستدام، مشيرة إلى أن الأعضاء استطاعوا من خلال اللائحة المعدلة تحسين العديد من الجوانب الفنية لمنح حرية أكثر لمالك القسيمة بالإبداع في تصميم منزله، في ظل انتظار القسائم الحكومية، ضمن ضوابط هندسية، عبر فرض المساحات والمسافات الدنيا لضمان تحقيق معايير السلامة، مشددة على مراعاة الكود الكويتي ضمن التصميم العام، والذي يشمل جميع فئات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأوضحت الفارسي أن نسبة الميل للمنحدر بسرداب السكن الخاص في اللائحة لم تكن مرضية، والتي كان من الممكن أن تحرم الكثير من أصحاب القسائم من إمكانية تنفيذ مواقف سيارات في سرداب المنزل، مطالبة بتقديم دراسة مفصلة تشمل جميع أنواع أبنية السكن الخاص وميلان المنحدر المطلوب على شكل جدول واضح، كما هو معمول به في أغلب الدول، ونشجع من خلاله على إنشاء مواقف للسيارات في السرداب.