على الرغم من أن أغلب التحديات التي يعانيها المواطن تتعلق بمعيشته، فإن وجود مقترحات للإصلاح الاقتصادي على شكل «أفكار معتبرة وذات قيمة فنية» تكاد تكون معدومة لدى معظم المرشحين، حتى ممن لديهم اهتمام بالشأن الاقتصادي المحلي، حيث لا يزال يسود خطاب عاطفي تعبوي يعزف على وتر الانتماءات الضيقة أو خطاب غير واقعي يطالب بإصلاحات يعلم القاضي والداني استحالة تطبيقها وتحقيقها في ظل المعطيات الحالية.

فحتى الآن لا نزال نسمع كلامًا إنشائيا مكررا في الشأن الاقتصادي، كتحسين معيشة المواطن ووقف الهدر والدفاع عن المال العام وخلافه من مصطلحات يتم استهلاكها لأهداف انتخابية محضة.

Ad

تجهل هذه الأطروحات أن المواطن تشبّع وسئم التصريحات والبيانات الحكومية الإنشائية، فإذا به يضطر الى سماع خطابات إنشائية لمرشحين لا يستطيعون تشخيص الأسباب الحقيقية لتردي حالته المعيشية، فضلا عن أن يقدّموا أيّ حل واقعي ومنطقي لها، حيث ينتظر المواطن من المرشح الذي يصدر نفسه لتمثيل الأمة أن يوضح كيف برأيه سوف يدافع عن المال العام؟ وما هي الآلية الأنسب لتمويل مشاريع الدولة؟ وكيف سيُحسّن معيشة المواطن؟ وكيفية وقف الهدر؟ وما أسباب تلك المعضلات على سبيل المثال؟ وما هي بالتالي التشريعات والمقترحات لحلها من وجهة نظره، والتي سيسعى لإقرارها في حال نجح؟ حيث إنه لو كان فعلا مهتما بالشأن العام ولديه ما يقدّمه، فمن المفترض أنه لديه معرفة دقيقة بالقوانين والثغرات وسبل معالجتها تشريعيا، إلّا أنه لا يقوم بذلك، إما بسبب الجهل في تقديم الحلول المناسبة والواقعية، أو عدم رغبة بالالتزام باقتراحات معيّنة قد تكون ذات كلفة سياسية عالية مستقبلا، فيلجأ الى طرح عام لا يقيده بأي التزام. وعندما نقول إن أحد أسباب هذه الخطابات هو الجهل، فنحن لا نبالغ، فلقد كان لدينا نواب لا يفرّقون بين الموازنة والحساب الختامي للدولة، رغم أنهم أعضاء لعدة دورات، وكان أيضا لدينا نواب يرون الزيادة المادية هي الحل لارتفاع أسعار السلع!

أما دليل عدم الجدية، فهو ما لاحظنا جميعا أن بعض القوانين يتم إقرارها شكليا دونما أي أثر، حيث توضع في الأدراج وتسجل في رصيد المجلس كإنجاز، رغم أنها إنجازات ورقية هدفها الحفاظ على استمرارية المجلس من خلال تضخيم الإنجازات الورقية للتنصل من استخدام الأدوات الدستورية الرقابية، خوفا كذلك من تكلفتها العالية.

على الجانب الآخر، هنالك بعض المرشحين المهتمين حاولوا تقديم حلول ومقترحات، إلا أنها غالبا ما تكون منطلقة من نظرة غير متعمقة، ولا تنمّ عن إدراك كامل لأبعاد ما يقدمه من رؤية على الصعد كافة، وبالتالي تجعل من المقترحات التي يصدرونها كحلول معرّضة للانتقاد والاتهام بأنها شعبوية وغير منطقية، رغم استحقاقها من حيث المبدأ، ولكن آليات المعالجة التي تطرح هي ما تضعف من فرص قبولها، وبالتالي تبنّيها من قبل الحكومة.

رغم هذا كله، نتفاءل وننتظر من الإخوة المرشحين طرحا تفصيليا مقنعا لحل ومعالجة التحديات المؤثرة على معيشة المواطن كالغلاء والهدر المالي وغياب آلية مستدامة لتمويل المشاريع التنموية، كالبنى التحتية والقرض الإسكاني، فالهدف يجب أن يكون هو الصالح العام من خلال تقديم رؤية وحلول مدروسة وواقعية؛ سواء نجح المرشح في الوصول أو لم يحالفه الحظ بمعنى هي وسيلة وليست غاية، والرؤية متى ما كانت مقنعة فمن المفترض أن يتم تبنيها من كل حريص على المصلحة العامة حال نجاحه في نيل شرف تمثيل الأمة.

كما نراهن على أن المواطن قادر من خلال الوعي والفهم نتيجة لحجم التجارب التي مر بها في السنوات القليلة الماضية، أن يدفع باتجاه طرح أكثر واقعية وأكثر عمقا من قبل المرشحين، لا أن يُقاد بخطابات فارغة لا تغيّر من واقعه شيئا وتعزف على وتر الطائفة أو القبيلة أو العائلة، لا المصلحة العامة.

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة

Soud.almutairi@port.ac.uk