في اليوم الـ178 من العدوان على قطاع غزة الفلسطيني، انسحب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من داخل مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، بعد عملية استمرت نحو أسبوعين، خلّفت مئات القتلى والمصابين والمعتقلين من المدنيين والمرضى والأطقم الطبية.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في بيان، «استكملت قوات الدفاع وجهاز الأمن العام صباح أمس العملية من منطقة مستشفى الشفاء وغادرت قوات وحدة 13 للكوماندوز البحري، ومجموعة القتال التابعة للواء 401، والوحدة الخاصة التابعة للواء الناحال بقيادة الفرقة 162 المنطقة».
وقبل خضوعه الأحد لعملية جراحية لإزالة فتق، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء أمس الأول الهجوم على «الشفاء»، الذي بدأ في 18 مارس، بأنه «دقيق وناجح جدا، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 مسلح واستسلام المئات».
في المقابل، أكدت وزارة الصحة في غزة أن «الاحتلال انسحب من مجمع الشفاء الطبي، بعدما قام بإحراق مبانيه وخروجه بالكامل عن الخدمة، وحجم الدمار في داخل المجمع والمباني المحيطة به كبير جدا»، مشيرة إلى «انتشال مئات جثث الشهداء بعضها متحللة، وأخرى مهشمة نتيجة دهسها بالدبابات والجرافات العسكرية».
وقال مصدر من الدفاع المدني في غزة إن طواقمه انتشلت ما يقارب 300 جثة، مؤكدا أن «قوات الاحتلال أعدمت مواطنين مكبلي الأيدي».
وفيما أعرب شهود عيان عن صدمتهم من تحول المستشفى إلى «خراب»، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن المجمع لن يعود للعمل نظرا لتضرره. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنه تم قتل ما يزيد على 400 فلسطيني داخل المستشفى واعتقال نحو 900 آخرين من أجل التحقيق معهم، مشيرة إلى أن عددا منهم ثبت تورطهم بالانضمام لحركتي «حماس» والجهاد الإسلامي.
وتوازياً مع عملية مجمع الشفاء، أفادت «حماس» بأنّ القوات الإسرائيلية لاتزال تتواجد في مجمّع مستشفى ناصر، فيما ذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أنّ عمليات تجري في مستشفى الأمل، والواقعَين في مدينة خان يونس.
ووسط استمرار الغارات والاشتباكات في أنحاء عدة أبرزها خان يونس ودير البلح ورفح، أقر الجيش الإسرائيلي بمقتل 600 من جنوده منذ اندلاع الحرب، من بينهم 256 منذ بدء العمليات البرية داخل القطاع، آخرهم الرقيب نداف كوهين المتحدر من حيفا، والذي قتل أمس، بالإضافة إلى إصابة 1523 جندياً منذ 7 أكتوبر.
في موازاة ذلك، أوقفت السلطات الإسرائيلية أمس شقيقة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في منزلها بمدينة تل السبع في صحراء النقب، مبينة أنها تخضع لتحقيق يشترك فيه جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) بتهم «التواصل مع نشطاء في حماس والانتماء للمنظمة، والتحريض ودعم الأعمال الإرهابية».
وادعت الشرطة أنها عثرت في منزل صباح عبدالسلام هنية، التي تحمل الجنسية الإسرائيلية، على «وثائق ووسائل إعلام وهواتف وغيرها من المتعلقات والأدلة التي ترتبط بارتكاب جرائم أمنية خطيرة ضد إسرائيل». ولهنية المقيم في الدوحة، شقيقتان تسكنان في إسرائيل، وتحملان جنسيتها لزواجهما من عربيين إسرائيليين (عرب 1948).
ضغوط على نتنياهو
ومع اقتراب الحرب من إتمام شهرها السادس، تتزايد الضغوط في الشارع على نتنياهو، مع توقيع 21 رئيس بلدية لرسالة تدعو إلى إضراب البلديات، تضامناً مع المطالبين بصفقة التبادل، بحسب إذاعة الجيش.
وفي ليلة ثانية، تظاهر آلاف الإسرائيليين أمس الأول في القدس للمطالبة باستقالة نتنياهو، وتأمين الإفراج عن المحتجزين بغزة.
وأفادت شبكة «الجزيرة» بأن اجتماع القاهرة لم يسفر عن جديد في مسار التوصل لوقف لإطلاق النار، مؤكدة أن الوفد الإسرائيلي طرح مجدداً مقترح عودة 60 ألف نازح من جنوب غزة إلى شمالها بمعدل 2000 يومياً، بعد أسبوعين من بدء الاتفاق مع الإقامة في خيام وليس في منازلهم.
وفي حين اتهم نتنياهو «حماس» بأنها «شددت مواقفها»، حذّر الإسرائيليين من أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة وبدون تحقيق أهداف الحرب ستؤثر على مفاوضات إعادة المخطوفين، الذين جدد التزامه بإعادتهم سواء الأحياء أو الأموات.
بايدن ورفح
في هذه الأثناء، بحث ممثلون عن الولايات المتحدة وإسرائيل في اجتماع افتراضي أمس الهجوم البري على مدينة رفح الحدودية مع مصر والمقترحات البديلة من إدارة الرئيس جو بايدن للغزو المزمع.
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين كبار أن عقد الاجتماع افتراضياً يمكن أن يساعد نتنياهو على «حفظ ماء الوجه»، وأن يسمح له بمواصلة النقاش مع البيت الأبيض دون الحاجة إلى إرسال وفد إلى واشنطن.
وقاد الجانب الأميركي في الاجتماع مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، مع ممثلين عن البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالات المخابرات، ومن الجانب الإسرائيلي مستشار الأمن القومي لنتنياهو تساحي هنغبي، بمشاركة كبار مسؤولي الدفاع والمخابرات.
وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن اقتراح بايدن يقوم على عملية هجينة تركز على الاغتيالات والضربات الجراحية ضد قيادات «حماس».
مخطط فرج
إلى ذلك، تصاعد التوتر الداخلي بعد أن زعمت وزارة داخلية غزة التابعة لـ «حماس» انها احبطت محاولة تسلل لضباط من السلطة الفلسطينية لتنفيذ مهمة لرئيس جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج، مؤكدة أنها تعاملت معهم واعتقلت 10 وأفشلت مخططهم لإحداث البلبلة والفوضى داخل القطاع.
وقال مسؤول بالوزارة إن القوة الأمنية المشبوهة دخلت ليل السبت - الاحد مع شاحنات الهلال الأحمر المصري، بالتنسيق مع الاحتلال، وأوضح أن فرج، الذي اقترح اسمه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لحكم غزة مؤقتاً بعد انتهاء الحرب، أدار عمل القوة بطريقة أمنية مخادعة، وضلل فيها الفصائل والعشائر.
ونفى مصدر فلسطيني رسمي اتهامات «حماس» وقال إنها «لا أساس لها من الصحة»، مشددا على أنه «لن ننجر خلف حملات إعلامية مسعورة تغطي على القتل والتهجير والتجويع».