ما قيمة الديموقرطية بدون ثقافتها؟
لا ديموقراطية بدون ثقافة مجتمع يمارسها، من ينتخب النائب هو المواطن، فإذا كان هذا المواطن متشبعاً بنموذج نواب يقدمون له خدمات مقابل شراء صوته ومن يَمون عليهم، فماذا تتوقع أن تكون «صورة المجلس القادمة»؟
مستوى الوعي عند الناس لا يأتي بكبسة زر، هي عملية تراكمية يكتسبها المواطن بمرور الزمن، فكثير من المرشحين الجدد الطامحين إلى التغيير يصطدمون بناخبين مصادرين سلفاً وغير قابلين للتغيير، أو حتى التفكير بالبديل.
المرشح صاحب الحظوة والفائز بأكبر عدد من الأصوات والنجومية لديه مواصفات تحولت إلى ما يشبه البوصلة للقياس عليها من المرشحين الجدد، عليه أن يعتمدها أو يسلك طريقاً آخر للوصول إلى الكرسي، ومن تلك المؤشرات الرائجة:
أولاً: أن يكون صوته عالياً.
ثانيا: أن يكون طويل اللسان.
ثالثاً: أن يكون صاحب وجهين، الأول يطل به على الإعلام، والثاني لزوم شراء الناخبين.
رابعا: أن يجيد ابتزاز الوزراء وتخويفهم من بعبع الاستجواب.
خامساً: أن يتحدث عن الولاء والوطنية ويعمل بعكسه.
الموروث الثقافي لفكرة الديموقراطية بات مشوهاً، والبعض اختصرها في صندوق الاقتراع، عندك ورقة تذهب بها إلى مقر الانتخاب وتسقطها بعد أن تأخذ المقسوم في السر أو في العلن، وهذا لا ينسحب بالطبع على الجميع، فالتعميم هنا ليس خطأً أو جريمة فقط بل لا يجوز أصله.
للأسف الثقافة السياسية السائدة تتوقف عند هذا الصندوق، ولا تذهب إلى العدالة الاجتماعية، ولا إلى مفهوم وحقوق المواطنة، ولا إلى مبدأ المساءلة والمحاسبة، ولا إلى أن تكون الدولة ومؤسساتها هي المرجع، وهي الحافظة لحقوق الناس، وليس عن طريق نواب الخدمات، ولا إلى الحريات وتداول السلطة والتعددية السياسية.
لم يعد السؤال فيما إذا كانت الديموقراطية تصلح لمجتمعاتنا، بل الأهم أن نزيل عن هذا المفهوم ما علق به من ممارسات أساءت إليه وجعلت الناس تنفر منه.
يبقى الأمل في التغيير معقوداً على وعي الناخب، فهو من يملك الإرادة والصوت واختيار من يمثله في مجلس الأمة، وهناك بالتأكيد من يسعى إلى التغيير وضخ دماء جديدة لعلها تحرك المياه الراكدة، وتعيد الهرم المقلوب إلى وضعه الطبيعي.
الدولة الحديثة هي التي تحفظ حقوق الأقليات والأديان وتذيب الفوارق بين الانتماءات وتصنع المواطنة الحقة، وتعزز الانتماء والهوية الوطنية.