خلال مسيرته القصيرة، قدّم صالح 73 عملًا فنيًا، منها 16 مسلسلا دراميًا و32 فيلمًا و25 مسرحية، بخلاف عدد من المسلسلات الإذاعية. وتألق في الأدوار المركبة والمتسلطة، وسد فراغًا هائلًا في أدوار الشر، وترك بصمة متفردة في تجسيدها بلا أصداء من ممثل آخر.

مسرح الهناجر

Ad

قبل سنوات من بزوغ نجوميته في السينما والتلفزيون، ظهر خالد صالح فوق خشبة مسرح «الهناجر» بالقاهرة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وشارك في تقديم أكثر من 20 مسرحية، وتثقّف على أيدي النقاد والجمهور في أرقى تجربة مسرحية تحققت في مصر بعد العصر الذهبي للمسرح في حقبتي الستينيات والسبعينيات، وحققها مركز الهناجر وإدارته المستنيرة، وخرجت منه مواهب شابة في الإخراج والتمثيل والتأليف، ولفتت صنّاع السينما والدراما، وأصبحوا في صدارة المشهد الفني منذ التسعينيات.

محامي خُلع

ظهر خالد صالح على شاشة السينما لأول مرة في فيلم «جمال عبد الناصر» عام 1996، للمخرج السوري أنور قوادري، وجسّد شخصية رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية صلاح نصر، فيما لعب الفنان خالد الصاوي دور الرئيس عبدالناصر، وشارك في البطولة مجموعة من النجوم المصريين والعرب منهم هشام سليم، وعبلة كامل، وجميل راتب، وعمرو عبدالجليل، وسامي مغاوري، والفنان الكويتي إبراهيم الصلال في دور سمو الشيخ صباح السالم الصباح.

وكان أول عمل درامي تلفزيوني له في عام 1999، هو مسلسل «أم كلثوم»، تأليف محفوظ عبدالرحمن وإخراج إنعام محمد علي، وبطولة صابرين وعدد كبير من النجوم، وجسّد خلاله شخصية الشاعر مأمون الشناوي، كما قام بالأداء الصوتي في النسخة المدبلجة من فيلم «نيمو» الحاصل على جائزة أوسكار لأفضل فيلم صور متحركة، عام 2003.

وشكّلت تلك البداية القوية، دافعًا لدى الممثل الشاب ليحقق طموحاته الفنية، وتقديم الأفضل دائمًا، وبات حضوره طاغيًا على الشاشة، حتى لو ظهر كضيف شرف في مشهد واحد مثل دور «القاضي» في الفيلم الكوميدي «محامي خُلع» (2002)، تأليف وحيد حامد وإخراج محمد ياسين، وبطولة هاني رمزي، وعلا غانم، وحسن حسني، وطلعت زكريا، وحنان ترك.

ولعب صالح دور البطولة في «هي فوضى» (2007)، آخر أفلام المخرج يوسف شاهين بمساعدة تلميذه خالد يوسف، وحصل الفيلم على المرتبة 81 في قائمة أفضل 100 فيلم في السينما العربية، حسب استفتاء لنقاد سينمائيين ومثقفين قام به مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته العاشرة عام 2013.

قصة حبي

وعبر الأثير، شارك صالح في عدد من المسلسلات الإذاعية، منها «أهلا يا باشا» مع النجمة يسرا، وتأليف أيمن عبدالرحمن وإخراج محمد مشعل، ومسلسل «قصة حبي»، تأليف مصطفى جمعة وإخراج ثروت رشوان، وشارك في البطولة مجموعة كبيرة من النجوم، منهم سوسن بدر وريهام عبدالغفور وأحمد راتب.

ويتناول «قصة حبي» قصة حياة الشاعر المصري أحمد رامي الشهير بلقب «شاعر الشباب» والعوامل التي أثرت في نشأته وتطوُّر حياته الفنية، ويلقي المسلسل الضوء على تعاونه مع كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار رياض السنباطي طيلة 40 عامًا.

الحياة المبكرة

وُلِد خالد صالح في يوم 23 يناير 1964، في مدينة «أبو النُمرُس» بمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، ونشأ يتيمًا بعد أن توفيت والدته ولحق بها والده، وتولى شقيقه «إنسان» تربيته، وتخرج في كلية الحقوق عام 1987، وتفتّحت موهبته في مسرح الجامعة، وشارك بالتمثيل في العديد من المسرحيات.

وبعد التخرج، عمل سائق تاكسي، ثم سافر إلى الخليج لأجل العمل، وكان صالح يحلم أن ينشئ مصنع حلويات شرقية، لتجربته السابقة في العمل بهذا المجال مع شقيقه الأكبر، وقام الأخير بفصله من المصنع لأنه لم يكن ملتزماً بمواعيد العمل.

اتجه صالح إلى فضاء الفن مرة أخرى، وأدى أدوار الكومبارس في المسرح من خلال أنشطة المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان يقوم بدور شخص يمر في خلفية المسرح أثناء حديث الأبطال من دون أن يتحدث، ثم عمل في مسرح «الهناجر» بدار الأوبرا المصرية كممثل ومساعد في الإخراج.

وأكسبته تلك التجارب خبرات كبيرة، وأصبح أمام أصعب الاختبارات في مقتبل حياته العملية، بين العمل في مهنة المحاماة أو احتراف التمثيل. وقادته موهبته الكبيرة إلى طرق أبواب عالم الأضواء والشهرة.

كرسي في الكلوب

تفرغ خالد صالح تمامًا للتمثيل في عام 2000، وعمره لا يتجاوز السادسة والثلاثين، ولمع نجمه سريعًا، وشارك في بطولة العديد من الأفلام، منها «كرسي في الكلوب»، تأليف هاني فوزي وإخراج سامح الباجوري، وبطولة لوسي، وصلاح عبدالله، ومدحت صالح، وانتصار، والفيلم يدور في إطار كوميدي، وعُرِض لأول مرة في 15 مارس 2001.

وتتابعت رحلة الفنان الذي لقبه جمهوره بـ«فرعون التمثيل المصري» مع الكوميديا، وشارك في «شُرُم بُرُم» (2001)، تأليف وإخراج رأفت الميهي، وبطولة أحمد رزق، وبسمة، وسامح حسين، وطارق عبدالعزيز، ورشا مهدي، وتدور أحداث الفيلم في إطار فانتازي كوميدي حول مجموعة من الشباب، يواجهون صعوبة فى تحقيق أحلامهم.

وفي العام التالي، جسّد دور «فرغلي» في «خلي الدماغ صاحي»، تأليف منى الصاوي وإخراج محمد أبوسيف، وبطولة مصطفى شعبان، وداليا مصطفى، وسامي العدل، وكارولين خليل، وتدور قصة الفيلم في إطار من الكوميديا الخيالية حول محاسب بسيط يعمل في محل جزارة، ويظهر له عفريت يتنكّر في صورة آدمي، ويحاول مساعدته في مواجهة الحياة الصعبة.

اجتاز صالح عقبة الرقابة، وجسّد دور «طبلاوي» في فيلم «النعامة والطاووس»، وهذا العمل فكرة المخرج صلاح أبوسيف وسيناريو لينين الرملي، وظل العمل غير مُجاز رقابيًا، وبعد نحو ست سنوات من رحيل أبوسيف، تصدى ابنه محمد أبوسيف لإخراج الفيلم، وقام ببطولته لبلبة ومصطفى شعبان، وبسمة وسلوى محمد علي، وعُرض في 22 فبراير 2002، وبلغت إيرادته نحو نصف مليون جنيه مصري.

وفي العام التالي مباشرة، شارك في الفيلم الكوميدي «ميدو مشاكل»، تأليف أحمد عبدالله وإخراج محمد النجّار، وبطولة مجموعة من النجوم، منهم أحمد حلمي والمطربة شيرين عبدالوهاب، ورامز جلال، وتدور القصة حول شاب يعمل في مجال تركيب الأطباق الهوائية «الدِش»، ويدرس في معهد التكنولوجيا والإلكترونيات، ويتسبّب في مشاكل لمَنْ حوله.

أحلى الأوقات

واتجه فرعون التمثيل إلى الأفلام الرومانسية في «أحلى الأوقات»، تأليف وسام سليمان وإخراج هالة خليل، وشارك في بطولته حنان ترك، وهند صبري، ومنة شلبي، وسامي العدل، وحسن حسني، ومها أبوعوف، وعُرض الفيلم في 31 مارس 2004، وبلغت إيرادات نحو مليوني جنيه مصري.

وفي «تيتو» جسّد صالح شخصية ضابط الشرطة «رفعت السكري»، والفيلم تأليف محمد حفظي وإخراج طارق العريان، وبطولة أحمد السقا، وحنان ترك، وعمرو واكد، وضياء عبدالخالق، وأشرف مصيلحي، وعُرض في 23 يوليو 2004، وحقق إيرادات بلغت 12 مليون جنيه.

ويتناول الفيلم في إطار تشويقي حياة «تيتو» بعد سنوات طوال قضاها داخل اﻹصلاحية، ليعمل بعدها في عمليات قذرة لحساب ضابط شرطة فاسد، لكن سرعان ما يدرك أن أمامه فرصة جديدة لبدء حياة جديدة حين يقابل رجل اﻷعمال «فارس» ويقرّر مشاركته في مشروعات تجارية، وتتوالى الأحداث.

حرب أطاليا

وارتحل الفنان خالد صالح إلى أفلام التشويق والإثارة، وشارك في بطولة «حرب أطاليا»، مع أحمد السقا، ونيللي كريم، وخالد أبوالنجا، ورزان مغربي، ومجدي كامل، وسناء يونس، والفيلم تأليف حازم الحديدي وإخراج أحمد صالح، وعرض في 27 يوليو 2005، وبلغت إيراداته نحو 12 مليون جنيه.

وقام صالح بدور المُحقِّق في «خالي من الكوليسترول» (2005)، تأليف وإخراج محمد أبوسيف، وبطولة النجمة إلهام شاهين، وأشرف عبدالباقي، وماجدة الخطيب، وحسن حسني، وتدور القصة حول «أيوب» الشاب الموهوب في مجال اﻹعلانات، وتساعده والدته المعاقة ذهنيًا وتفكر مثل الأطفال، ولكن صاحب الوكالة الإعلانية يحاول أن يغيِّر من أفكاره ومعتقداته بوسائل غير مشروعة، ويستمر الصدام بينهما حتى ينتقم أيوب بوسيلة جديدة تمامًا لم يتوقعها أحد.

ملاكي إسكندرية

وتألق الفنان خالد صالح في دور المحامي «منتصر» في فيلم «ملاكي إسكندرية» (2005)، تأليف وائل عبدالله وإخراج ساندرا نشأت، وشارك في بطولته أحمد عز، وغادة عادل، وريهام عبدالغفور، ومحمود عبدالمغني، وخالد زكي، ومحمد رجب، ونور اللبنانية، وسامح الصريطي، ووضغ الموسيقى التصويرية الموسيقار ياسر عبدالرحمن.

وتدور قصة «ملاكي إسكندرية» حول مقتل رجل أعمال، وتُتهم زوجته بقتله، فتوّكل محاميًا كبيرًا للدفاع عنه، وبعد أن يتخلى عنها تلجأ إلى محامٍ شاب يعمل في مكتب المحامي الكبير، ويبداً المحامي الشاب في البحث عن القاتل الحقيقي، ويشك في ابن رجل الأعمال، فيحاول التقرب من شقيقته، كما يضع سكرتيرة القتيل في دائرة الاتهام.

وفي «فتح عينيك» جسّد صالح شخصية «سيد الراوي»، موظف الأرشيف بإحدى وكالات الدعاية، والفيلم من تأليف محمد حفظي وإخراج عثمان أبولبن، واشترك في بطولته نيللي كريم، ومصطفى شعبان، وخالد زكي، ويوسف الشريف، وعُرض لأول مرة في 22 يناير 2006.

سر تحوّل «الفرعون» من التجارة إلى التمثيل

مرّ الفنان خالد صالح في مقتبل حياته، بتجارب بالغة الصعوبة، كادت تجرفه بعيدًا عن احتراف التمثيل، أولاها فقد والديه في طفولته، وتولي شقيقه الأكبر مسؤولية تربيته، وبعد حصوله على ليسانس الحقوق، اتجه للعمل بالتجارة حتى يحقق الاستقرار لأسرته.

وكان من دوافعه لتأمين هذا الاستقرار، حرمانه المبكر من حنان أمه وأبيه، ولم يتجاوز عمره السنوات السبع، وقد تولى أموره آنذاك شقيقاته الخمس، وشقيقاه، وأصبح له خمس أمهات ووالدان. وظل صالح يدين لهم بالكثير من الحب والامتنان.

ولذلك تردّد كثيرًا قبل أن يحترف التمثيل، وعمل بالتجارة لفترة بعد تخرجه، لقناعته بأنه لا يمكن أن يعرّض كيان أسرته التي أحبها، لظروف صعبة، وكان هذا العامل الأساسي الذي وقف أمام تأخره في دخول الوسط الفني. ولكن بعد أن ساهم في تحقيق الاستقرار المادي للأسرة، انطلق الفرعون على الفور نحو عالم الأضواء والشهرة.

صالح والصاوي... صداقة من الهواية إلى النجومية

تعدّدت صداقات الفنان خالد صالح داخل الوسط الفني وخارجه، ومن أبرزها صداقته الوطيدة بزميله الفنان خالد الصاوي، وكانت بدايتها في مسارح الهواة ومسرح الهناجر، وامتدت لسنوات طويلة، حتى رحيل صالح في عام 2014.

جمع صالح والصاوي عشق الفن، وقبل نجوميتهما، تشاركا في أعمال مسرحية عدة، منها «طقوس الإشارات والتحولات» (1996) للكاتب السوري سعدالله ونوس، وإخراج حسن الوزير، وشارك في البطولة نبيل الحلفاوي وسوسن بدر، ومسرحية «أنطوريو وكيلو بطة» (1998)، تأليف وإخراج خالد الصاوي، وقدّم خلالها معالجة كوميدية لمسرحية «أنطونيو وكليوباترا» لشكسبير.

وتصادف أن يكون ظهورهما الأول على الشاشة البيضاء معًا، في فيلم «جمال عبدالناصر»، للمخرج السوري أنور قوادري، والتقيا في أعمال سينمائية أخرى، منها «عمارة يعقوبيان» (2006)، قصة علاء الأسواني وسيناريو وحيد حامد وإخراج مروان حامد، وشارك في البطولة مجموعة كبيرة من النجوم، منهم عادل إمام، ويسرا، ونور الشريف، وإسعاد يونس، وهند صبري، وباسم سمرة، وأحمد بدير، ومحمد إمام.

ويتناول العمل حياة أشخاص يسكنون في بناية واحدة بوسط القاهرة، تتقاطع المسارات والحكايات بينهم لاختلاف ظروفهم الاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية.

وكان آخر لقاء بين «صالح والصاوي» في فيلم «الحرامي والعبيط» (2013)، تأليف أحمد عبدالله وإخراج محمد مصطفى، وشارك في بطولته مجموعة كبيرة من النجوم، منهم روبي، وعايدة عبدالعزيز، وسيد رجب، ومها صبري.

وشهد هذا الشريط السينمائي مباراة رائعة في الأداء بين عملاقي التمثيل، ويتناول الفيلم دراما إنسانية اجتماعية من خلال حياة الرجلين «فتحي وصلاح»، حيث يفقد فتحي عقله بسبب ظروف الحياة القاسية والظلم الذي يحاصره من كل صوب. أما صلاح فهو شخص شديد المكر، فقد عينه في إحدى المشاجرات، وتنشأ بينهما صداقة قوية، ولكن هناك مؤامرة تحاك من وراء ظهر فتحي من قبل صلاح بمعاونة صديقته الممرضة من أجل سرقة عين صديقه.

وبعد مرور سنوات على رحيل الفنان خالد صالح، تحدث عنه توأمه الفني خالد الصاوي في مقابلة صحافية، قائلاً: «أفتقد وجوده دومًا في حياتي، لأنه كان صديقي وعِشرة عمري. كنا نتناقش ونتبادل الآراء باستمرار، ولكني أشعر بأن روحه تحوطني دومًا».