بقايا خيال: دمروا كل شيء في بلدي
إذا كنا نؤمن بمبدأ (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، فإن ما أخذ بالغش والتدليس والتزوير في وثائق الجنسية الكويتية لا يسترد إلا بقوة القانون ومحاكمة عادلة لكل من ثبتت عليه تهمة التزوير في الهوية الكويتية، وإذا كان القانون يجبر السارق على إعادة كامل ما سرقه أو اختلسه من أموال وتغريمه بغرامة مضاعفة، فلابد أن يحاكم كل من ادعى زوراً وبهتاناً أنه كويتي، إما بالتزوير في وثائق الجنسية أو بازدواجيته للاستفادة من «رضاعته من ديدين»، وهم الذين سحبوا بساط حقوق المواطنة من كويتيين حقيقيين، سواء بالحصول على تعليم مجاني أو علاج بالمجان أو وظيفة أو منصب أو سكن أو مزرعة أو جاخور أو غيرها من مزايا مادية حصل عليها المزورون والمزدوجون دون وجه حق. ولكي تعرف حجم المشكلة التي تعانيها الكويت اليوم بسبب إهمال مسألة القبض على المزورين والمزدوجين ما عليك إلا أن تتخيل عدد القسائم التي سيتم استرجاعها من بين أيدي هذه الفئة، وعدد المزارع والجواخير، بالإضافة إلى حجم الأموال المستردة منهم والتي صرفت عليهم كرواتب وأجور وقروض.
أنا أعرف أن من نزل عليه خير وفير دون تعب، ناهيك عن أنه غير مستحق، لا يمكن أن يهتم بالمحافظة على مصدر هذا الخير، تطبيقاً لمبدأ «اللي يجي بالساهل، يروح بالساهل»، وطالما حصل على أكثر مما يستحق من مغارة علي بابا، أو من بئر الذهب، فلا يهم حينها إن احترقت هذه المغارة أو انهارت البئر أو حتى تعمد أن يملأ هذه البئر بالحجارة بنفسه، حتى لا يستفيد منها أصحابها، ولهذا فمنذ أن عرفنا «طراثيث» المزدوجين والمزورين في الهوية الكويتية، ونحن نعاني الفساد المالي والإداري والأخلاقي في أروقة المؤسسات الحكومية، ونواجه تدميراً منظماً في كل مناحي الحياة حتى تراجعت كويتنا عن غيرها من الدول الخليجية التي كنا نسبقها في كل شيء في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكأن الدخلاء على الهوية الكويتية يتعمدون إشاعة الفوضى أينما حلوا بيننا.
وإذا كان أكثر من 120 ألف شخص من فئة المقيمين بصورة غير قانونية يقال عنهم إنهم «قنبلة موقوتة»، فما الوصف الذي يناسب مزوري الجنسية الكويتية ومزدوجي الولاء، الذين وصل عددهم إلى ما يقارب 500 ألف شخص؟ وإذا كان «البدون» الذين لم يحصلوا على أي منصب في الحكومة ولا حتى على وظيفة كاتب، ورغم ذلك ينظر إليهم كخطر على الأمن القومي، فما الوصف المناسب الذي يمكننا أن نطلقه على من يحمل الجنسية الكويتية ويتقلد مناصب مرموقة ويعامل معاملة الـ (VIP) أفضل من الكويتي الحقيقي صاحب الأرض وهو ليس كويتياً أصلاً؟ هاتان الفئتان أشاعتا «الفوضى غير الخلاقة» فنشأ عنها الفساد وتدمير كل ما يخطر على بال أي إنسان من جمال في بلادي.
ألم يدمروا الهوية الكويتية من خلال تغيير البنية الديموغرافية؟ ألم يسنوا قوانين تتعارض مع نصوص دستورنا لتدمير هذا الدستور؟ ألم يدمروا التعليم والخدمات الصحية، فتراجع هذان القطاعان الحيويان؟ ألم يدمروا قطاع النفط والإسكان وأتلفوا البنية التحتية والطرق والمال العام والاقتصاد بشكل عام وأتلفوا الثروة الزراعية والحيوانية ودمروا السياحة والإعلام، حتى وصل التدمير إلى تاريخ بلادي ولهجته والإساءة إلى رموز الكويت التي كانت درة الخليج يوماً ما.