الثورة المطلوبة لتغيير الإنسان الكويتي
لا بد من حركة تغييرية جذرية في الوضع الكويتي، فليس من المعقول أن تعتمد الدولة على مصدر للدخل وحيد وناضب وعُرضَة للتقلبات وفق الصراعات والأحداث العالمية السياسية والاقتصادية ووفق التطورات الصناعية والتحولات التكنولوجية المتسارعة التي تتجه إلى التخلى عن النفط والاعتماد على مصادر نظيفة ومتجددة للطاقة، وإلى فرض استخدام السيارات الكهربائية، وبهذا تصبح مصايرنا ومستقبلنا على كف عفريت، هذا هو التحدي الأخطر الذي يتهددنا في ظل سيادة وضع اقتصادي ريعي متورم ببطالة مقنعة تصل إلى 80% وعدم وجود قطاع إنتاجي يخلق قيمة مضافة، ويقوم هذا القطاع على رأسمال بشري فاعل ومبدع، يتم تصنيع الإنسان فيه ضمن أنظمة تعليمية وتربوية خارقة تجعل المجتمع مثل خلية النحل، تنتج أضعاف حاجتها، فتوفر احتياجات المجتمع، وتصدر الفائض إلى المجتمعات الأخرى وسط منافسة السوق على مستوى الداخل والخارج، هذا ما ينبغي أن يكون الشاغل لنضمن استمرار المجتمع ونضمن تطوره.
إذا استحضرنا هذا التصور وهذا الهدف ونظرنا إلى واقعنا بكل أبعاده فإننا نقع على هوّة عميقة وواسعة تفصلنا عن هذا الهدف، والأخطر أن الهوة في اتساع وتعمُّق مستمر ومتسارع، فالوضع يحتاج الى إعادة تفكيك وإعادة تركيب علينا أن نخرج من مسلمات الماضي البعيد والقريب المعاصر الذي أوصلنا إلى المعضلات التي نعانيها، ويجب أن نعيد غرس الإنسان الكويتي في أجواء وبيئة التحدي كي تتفجر طاقاته وعبقريته، فلا يكون كَلاًّ على مولاه بل عنصراً معيلا لنفسه ولغيره.
يجب خلق نظام تعليمي وفق أرقى ما بلغته الدول المتقدمة كفنلندا، وإرسال الموظفين ذوي التخصصات العلمية المتكدسين والفائضين عن الحاجة في القطاع العام إلى فنلندا لاجتياز الدورات العلمية المكثفة، واجتياز الاختبارات لممارسة مهنة التعليم بشكل احترافي، والحصول على إجازة لهذه الممارسة وفق النظام الفنلندي الذي يشترط في المدرس أن يكون حائزا درجة الماجستير، وأن يجتاز أصعب الدورات والاختبارات حتى يتأهل لوضع منهج خاص به، ويدرس الفصل من الأول ابتدائي الى المتوسط، وطرق التدريس غاية في العبقرية، بحيث يحقق الطلبة أعلى تفوق على مستوى المعايير العالمية،
ويكون التدريس بأسلوب ليس فيه واجبات منزلية، ولا دروس خصوصية، ولا أبحاث مشتراة أو مسروقة، وبطبيعة الحال لا محل فيه للغش وتسرب الامتحانات، والمدارس فيه تتحول إلى مكان غاية في الرفاهية والجاذبية، فلا طوابير صباحية ولا لبس موحداً ولا فصول دراسية نمطية كئيبة، بل تكون غرفا مفتوحة، الجلوس فيها على الأرض أو على كنبات وبألوان زاهية مريحة تم اختيارها من قبل إخصائيين في علم النفس وفنيين في هذا المجال، وتُقدم وجبات غذائية صحية محببة تتناسب مع الذوق حسب السن، كما تقدم رعاية صحية ومتابعة تربوية وتفعيل لكل الأساليب التعليمية غير التقليدية الحديثة وفق أحدث التطورات والوسائل.
حتى يتحقق ذلك لا بد من إنهاء معاهد المعلمين الحالية التي تقبل ذوي النسب المتدنية وتقوم على مناهج ضعيفة، ولا بد من الإسراع في خصخصة التعليم، وقد ذكرنا في مقال سابق أن الحكومة تدفع سنويا رسوم الدراسة بواقع 2000 دينار لرياض الأطفال و4 آلاف للمراحل الأخرى، بعد أن يتم اعتماد المدارس وفق شروط ومعايير صارمة وحشد كل متطلبات إعادة تأهيل المدرسين الكويتيين بفرض التكويت، حتى يكونوا هم من يدير العملية التربوية والتعليمية بالأسلوب الفنلندي، وأن ينالوا الدعم والرواتب والميزات المحفزة من الدولة والقطاع الخاص، وأن يكون ذلك مربوطاً بمستوى الأداء وإحراز التفوق المطلوب.
هذه الثورة في مجال خلق وإعادة تأهيل الإنسان هي المتطلب الأهم للتغيير الجذري في كل مناحي الحياة وبناء إنسان آخر لمستقبل مختلف.