عند وصولك هنا يفترض أن تكون قد ظهرت نتائج الانتخابات، لنبدأ بالمرحلة التالية من اللغز الدوري المعتاد مع كل تشكيل حكومي، وبما أن العمل فردي على الصعيد النيابي، فهو كذلك في الجانب الحكومي، بحيث لا يجمع غالباً بين الوزراء المختارين بعد تعارفهم في أول جلسة لمجلسهم الموقر إلا التضامن الوزاري ولون البشوت في السنوات الأخيرة، وهذا لا يتحقق بالطبع كما اعتدنا لسنوات إلا بعد انتشار الكثير من التسريبات والبالونات والتكهنات عن شكل الحكومة المنتظر، مع ازدياد إشاعات البحث عن الوزير الأخير الذي سيؤهلها لنيل الثقة وممارسة أعمالها، وكأنه الهدف الذهبي في الوقت الإضافي.

بينما المأمول أنه بعد ما يزيد على 60 سنة دستور و«ديموقراطية» أن تكون عملية اختيار الوزراء لتشكيل الحكومات أكثر احترافية والتزاماً بالمعايير والشروط المحددة بما يحقق مصالح البلاد العليا، وتنفيذ الخطط الحكومية، لتبدأ من قسم أو إدارة دراسات وبحوث في مجلس الوزراء تتولى إعداد وتحديث القوائم والسير الذاتية للوزراء التكنوقراط والمتخصصين المحتمل توزيرهم وتقييم أعذار المعتذرين وأداء المقالين والمستقيلين وأسبابهم، وصولاً إلى وضع السيناريوهات المتوقعة لنتائج الانتخابات وتجهيز الترشيحات الوزارية لكل حالة، تمهيداً لخروج تشكيل حكومي مناسب لها قدر الإمكان خلال المدة القانونية، وهي سيناريوهات قليلة عموماً، فمن لا يعرف التفاصيل ويرى المشهد من الخارج يظن أن نتائج الانتخابات في الكويت لا حصر لها، نظراً لاختلاف المدارس والمذاهب والتوجهات الفكرية والسياسية المتنافسة، والتي قد ينتج عنها انتصار كاسح للمدرسة الكلاسيكية على حساب المدرسة الكينزية، أو سحق الماركسيين للاشتراكيين الفابيين، في حين أن الأمر لا يتعدى في غالب الأحوال تنافساً بين قلة الأدب وانعدام التربية، ومن خلفهما دفيع جاد ومنافس حاد.

Ad

نعي ونفهم أن هناك خيارات سياسية ووزراء محللين ومحاصصة وحسابات لا آخر لها، لكن حتى هذه الاختيارات عليها أن تخضع لاشتراطات وضوابط ولا تترك بلا سقف، فلا يصح مثلاً أن يصبح أمين المستوصف وزيراً للصحة يقرر ويوجّه أعمال الأطباء والجراحين، ولا أن يتصدر متوسط التعليم واجهة البلاد ليصبح وزيراً للإعلام والثقافة والمسرح والكتب، ولا أن يُعين المدان في جريمةٍ وزيراً في كل الأحوال وإن رُدّ إليه اعتباره، فمن غير الطبيعي أن يخضع اختيار المراقبين ورؤساء الأقسام في الإدارات الحكومية أو القبول في الجامعات والمعاهد أو الطلبة الضباط والمطافي لمعايير وضوابط واشتراطات مشددة، في حين يتشكل مجلس الوزراء المهيمن عليهم وعلى مصالح أغنى دولة في العالم تحيط بها المطامع وسط إقليم مشتعل من حولها وفق مبدأ «تعال كمّلنا ناقصنا واحد».