واشنطن قرأت من «الجريدة.» رد إيران على رسالتها بشأن «هجوم دمشق»
مساعد الرئيس الإيراني تبنى خبر «الجريدة.» حرفياً والوسيط السويسري أشار لانزعاج أميركي من التسريب
• 3 سيناريوهات للانتقام الإيراني على طاولة خامنئي أقواها هجوم منسق بين طهران ووكلائها
• جيوش المنطقة تتأهب ونتنياهو رفض اقتراحاً بالتعهد بوقف استهداف إيران في سورية
في وقت وضعت القوات الأميركية والإسرائيلية والإيرانية، إضافة إلى جيوش دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، في حالة تأهب قصوى استعداداً للرد الإيراني على الغارة الإسرائيلية على مبنى قنصلي إيراني في دمشق، والتي أدت إلى مقتل قائد «فيلق القدس» في سورية ولبنان العميد محمد رضا زاهدي، في خسارة وصفت بأنها الأقسى منذ اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني الأشهر قاسم سليماني في 2020، أكد مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الإيرانية، لـ «الجريدة»، أن الوسيط السويسري أبلغ طهران انزعاج الولايات المتحدة من تسريب خبر تلقي إيران رسالة أميركية والرد الإيراني عليها، خصوصاً أن الجانب الأميركي قرأ مضمون الرد من صفحات «الجريدة»، قبل أن يتسلمها من الوسيط.
وبحسب المصدر، فإن واشنطن طلبت أن يكون التواصل مباشراً بين البلدين وضرورة الحفاظ على السرية، وشددت على أن هناك أموراً عدة لا يمكن بحثها عبر الوسطاء، خصوصاً بوجود اختراق بهذا الشكل في الاتصالات.
وكان مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية محمد جمشيدي أكد صحة خبر «الجريدة» المنشور على صفحتها الأولى في عددها يوم الجمعة تحت عنوان «طهران لواشنطن: لا تتدخلوا لحماية إسرائيل من ردنا على ضربة القنصلية». وكرر جمشيدي مضمون خبر «الجريدة» حرفياً، وأكد تلقي رسالة أميركية، داعياً واشنطن إلى «التنحي جانباً» خلال الرد الإيراني المرتقب.
وأكد المتحدث باسم «الخارجية» الأميركية ماثيو ميلر إرسال الولايات المتحدة الرسالة التي نشرت مضمونها «الجريدة» والتي تطالب بعدم استهداف القوات الأميركية في المنطقة وتجنب الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة. وقال المصدر إن إيران تسلمت رسائل واقتراحات أميركية جديدة لتجنب الانزلاق إلى حرب، بينها الاتفاق على قيام الإسرائيليين بإخلاء مواقع عسكرية أو دبلوماسية لتكون هدفاً للرد الإيراني، مضيفاً أنه حتى الساعة، فإن التوجه الإيراني هو رفض هذه الاقتراحات والذهاب نحو رد يحقق الردع ويدفع تل أبيب إلى التفكير أكثر من مرة أذا أرادت تكرار هجماتها.
وبحسب المصدر، لا تزال كل الخيارات مفتوحة أمام إيران للرد، وتم اتخاذ إجراءات لعدم تسريب مكان أو زمان أو طبيعة الرد، لكنه أضاف أن هناك عدة سيناريوهات موضوعة على طاولة المرشد الأعلى علي خامنئي، بينها، ضرب أهداف إسرائيلية خارج الأراضي الإسرائيلية سواء كان ذلك قواعد للموساد أو سفارات وقنصليات إسرائيلية حول العالم، وكذلك قصف المواقع العسكرية التي انطلقت منها العملية على القنصلية الإيرانية، أو ضربة منسقة يقوم بها حلفاء إيران مجتمعين تبدأ بضربات إيرانية على مواقع إسرائيلية ويتبعها قصف من لبنان وسورية والعراق واليمن لإرباك إسرائيل.
ورغم ذلك، قال المصدر إنه، حسب علمه، لا يزال خامنئي مصراً على ضرورة عدم القيام بأي رد «يغطي على إنجازات المقاومة الفلسطينية وتضحيات الشعب الفلسطيني في غزة»، لأن هذا هو هدف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وأضاف أنه وفي خطوة نادرة، ضغط قادة الحرس الثوري بشكل ملحوظ على المرشد كي يغير رأيه بالنسبة لسياسة الصبر الاستراتيجي، مشددين على أن الوقت مناسب لتوجيه ضربة كبيرة جداً لإسرائيل.
وفي بيروت، أفادت معلومات بأن الإيرانيين أبلغوا واشنطن استعدادهم للتنسيق بشأن ردهم على ضربة القنصلية في حال تمكنت واشنطن من انتزاع تعهد من نتنياهو بوقف العمليات الإسرائيلية ضد إيران في سورية.
وبحسب هذه المعلومات، فإن طهران ترغب في عدم إحراج الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن انتخابياً عبر شنها رداً يقود إلى حرب كبيرة في المنطقة، خصوصاً أنها تفضل سيناريو بقاء بايدن لولاية ثانية بدلاً من عودة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن نتنياهو رفض تقديم أي تعهد بشأن سورية، خصوصاً أنه يعتبر أن تقويض النفوذ الإيراني في سورية عنوان يمكن له أن يستثمر فيه عربياً باتفاقات التطبيع التي يطمح إليها.
وقالت وسائل إعلام أميركية بينها صحيفة «نيويورك تايمز» وشبكة «سي إن إن» الإخبارية، إن المحللين العسكريين الأميركيين والإسرائيليين يرجحون أن تقوم إيران بضرب إسرائيل مباشرة هذه المرة. وقالت «سي إن إن» إن الرد قد يقع بموعد لا يتخطى نهاية شهر رمضان.
ووري زاهدي الثرى أمس في مسقط رأسه أصفهان بمشاركة الآلاف. وقال محمد باقري رئيس أركان الجيش الإيراني خلال الجنازة إن الهجوم على قنصلية إيران في دمشق خطوة مجنونة، وإن واشنطن شريكة فيها، مضيفاً أن عملية الانتقام «ستكون في الوقت والمكان المناسبين، وستتم بطريقة دقيقة لإلحاق أكبر قدر من الضرر بالعدو وجعله يندم على فعلته»، موضحاً أن «طريقة الانتقام نحن من يحددها».
وفي تفاصيل الخبر:
على وقع التهديدات الإيرانية بالردّ على استهداف القنصلية في دمشق، يتواصل تناقل الرسائل الأميركية - الإيرانية حول ترتيبات هذا الردّ، وكيف يكون في إطار منضبط لا يؤدي الى حرب إقليمية شاملة.
ورغم التهديدات العالية السقف، لا يزال الإيرانيون يسوقون لنظرية عدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي، أي عدم الانجرار إلى حرب على توقيت إسرائيل، ولذلك تحرص طهران على ألا يؤدي ردها إلى حرب واسعة. ووفق المعلومات، أوصل الأميركيون رسائل إلى الإيرانيين الذين ردوا بدورهم رسائل مماثلة فحواها أن تضغط واشنطن على إسرائيل لوقف عملياتها ضد الإيرانيين في سورية ووقف عمليات الاغتيال، وفي حال حصلت طهران على هذا التعهد فيمكن لردها أن يكون مضبوطاً وليس خارجاً عن السياق.
في ظل هذه الرسائل، يجد الإيرانيون أنفسهم في حالة من الإحراج، على المستوى الداخلي سياسياً وشعبياً، وعلى المستوى الخارجي بما يتعلق باستعادة الهيبة، أما الحرج الثالث فيتصل بالانتخابات الأميركية، إذ إن هناك في إيران من يعتبر أن الرد على الإسرائيليين بضربة قوية أو على الأميركيين، سيؤدي الى إحراج جو بايدن انتخابياً، وسيصبح إما ملزماً بالردّ بشكل أوسع أو بمنح إسرائيل الفرصة للرد، خصوصاً أنه في حال عدم إعطاء تل أبيب فرصة الرد على طهران سيكون لذلك تداعيات سلبية على الوضع الانتخابي لبايدن، فيما إيران مهتمة جداً بتوفير ظروف نجاحه بمواجهة دونالد ترامب. ووفق ما يتوافر من معطيات دبلوماسية، فإن نتنياهو لم يقدّم أي التزام بعدم الاستمرار في ضرب أهداف إيرانية في سورية أو حيثما طالت يده، إذ تبدي مصادر دبلوماسية تخوفها من استمرار العمليات العسكرية والأمنية الإسرائيلية ضد أهداف ايرانية في سورية، هناك من ينقل عن الإسرائيليين قولهم إن نتنياهو يذهب في لعبته حتى النهاية، ولاحقاً قد يرفع شعار «تقويض النفوذ الإيراني في سورية»، لأن ذلك سيكون عنواناً يمكن له أن يستثمر فيه عربياً باتفاقات التطبيع التي يطمح اليها. وتقول المصادر الدبلوماسية إن نتنياهو أبلغ العديد من الوسطاء بالاستعداد لتصفية أي مسؤول عسكري أو أمني إيراني ينشط في سورية، أو انطلاقاً منها باتجاه الجبهات الأخرى في سياق محاربة إسرائيل.
يعني هذا الكلام بحسب الدبلوماسيين أن المسار الذي ينتهجه رئيس الحكومة الإسرائيلية سيكون طويلاً، وهو عبارة عن مسار استنزافي والبقاء في حالة الحرب، بمعزل عن كل الضغوط التي يتعرّض لها، كما أن أي ضغط أميركي لمنعه من شن عملية رفح البرية والاستعاضة عنها بعمليات عسكرية موضعية أو عمليات أمنية، فإن ذلك سيؤدي الى تعزيز مفهوم حرب الساحات الأخرى، مما يعني التصعيد الاستنزافي في لبنان وسورية من دون أن يؤدي ذلك الى حرب كبرى.
وسط هذه القراءات، والترقب لآلية الردّ الإيراني، لا تزال الأنظار تتركز على التطورات في الجنوب السوري، خصوصاً أن هناك وجهة نظر تفيد بإمكانية لجوء إيران الى تنفيذ عملية باتجاه أهداف في الجولان كنوع من تشكيل عنصر ردع للإسرائيليين لمنعهم من الاستمرار في حربهم على إيران في سورية، خصوصاً أن في طهران من يشير الى ضرورة وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية في سورية، ولا بدّ للرد أن يكون متوازناً يُستعاد معه توازن الردع كي لا تستمر إسرائيل في استهدافاتها.