رسالة الناخبين في انتخابات (24)
أسدلت انتخابات مجلس الأمة (24) عن عودة معظم نواب مجلس (23) وبتغيير بنسبة 20% ولولا شطب أربعة نواب سابقين وعزوف نائبين عن الترشح لكانت النتيجة لا تتجاوز الـ10% في أحسن الظروف، مما يعني قناعة الناخبين بأعضاء المجلس السابق.
الملاحظ أيضا في هذه الانتخابات ارتفاع أصوات الحاصلين على المراكز الأولى، وهي رسالة لها دلالتها بأن الشعب لا يخذل من يلجأ إليه، وأنه يعرف كيف يتعامل مع من يحاول التذاكي عليه، وأن الناخب الكويتي قد تجاوز حدود القبلية والحزبية، وأن اختياراته جاءت وفق قناعات وطنية، وأنه متسمك بحقه الدستوري ومشاركته بإدارة شؤون الدولة عبر ممثليه من النواب.
في الأخير هذه مخرجات الشعب التي تتطلب من الحكومة احترام إرادته والقبول بها والتعامل معها، وعليها أن تدرك أن هذه النتيجة طبيعية في الممارسة الديموقراطية، ومن المستحيل أن تأتي بمجلس على طيف واحد من الأفكار والتوجهات حتى لو في أعرق ديموقراطيات العالم.
أعود إلى الكلمة التي ألقاها سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وهو يحث ويوجه أبناء الكويت على المشاركة في الانتخابات وعدم التفريط في حقهم الدستوري، وأن ليس من حقهم عند مبدأ عدم التصويت أن يلوموا أحداً على تدني المخرجات ولا على سوء الأداء والإنجاز... هذه الدعوة الأبوية كان لها الأثر البالغ في رفع نسبة المشاركة الشعبية، ولولاها ولولا وعي الناخب الكويتي لكانت نسبة المشاركة أقل من ذلك بسبب تكرار الحل وفقدان الثقة بالحكومة قبل المجلس.
البروباغندا الانتخابية حالة طبيعية في الحملات الدعائية للمرشحين، وعن نفسي لم أنزعج منها مهما كان السقف، إلا أن هذه الانتخابات سيطرت عليها فكرة الهوية الوطنية التي لا يختلف عليها اثنان إذا ما ربطت مع مفهوم الولاء والانتماء للوطن، أما فيما يخص ملفات الازدواجية والتزوير بالجنسية فهي من القضايا التي يجرمها القانون وضررها كبير على المجتمع، لكن بشرط معالجتها ضمن الأطر الدستورية والقانونية دون أن تكون مادة انتخابية.
اختيار منصب سمو ولي العهد وسمو رئيس الوزراء من المواضيع التي تطرق لها المرشحون في الحملات الانتخابية رغم معرفتهم بأن الدستور الكويتي قد نظم آلية اختيارهما بكل وضوح ضمن الأطر الدستورية، حيث كفل لهم حق التصويت على اختيار ولي العهد والآلية التشريعية التي يقررون فيها التعاون من عدمه مع رئيس الحكومة دون مزايدة.
اليوم نحن أمام مجلس جديد يفترض أن يمثل إرادة الأمة، وأن يكون بحجم الثقة التي أولاها له الشعب الكويتي لتحقيق طموحه بتحسين جودة الحياة، مما يتطلب من رئيس الحكومة اختيار وزراء قادرين على العطاء والتميز، ومن ثم الجلوس مع المجلس والاتفاق على برنامج عمل حكومي يمثل الأولويات ويحاكي تطلعات الشعب الكويتي وآمال سمو الأمير.
من المنطقي أن يكون هناك توافق واستقرار سياسي نيابي حكومي بعد كل هذه السنوات العجاف كي تستطيع الحكومة المضي قدماً بتنفيذ برنامج عملها على الصعيد الاقتصادي والأمن الاجتماعي ومعالجة القصور الإداري والخدماتي ورفع جودة الأداء على المؤشرات التعليمية والصحية والتعليمية والبيئية، وإيجاد حلول جذرية لمشكلة البدون وخلل التركيبة السكانية والقضية الإسكانية.
أخيراً: هناك إشاعة تم تداولها خلال الفترة الماضية بأن هذا المجلس قد يكون الأخير متى ما استمرت حالة التأزيم بين المجلس والحكومة، وهو في الحقيقة كلام مرسل لا قيمة ولا مصداقية له، فالدستور الكويتي لم يغفل عن هذه الحالة فقد عالجها وفق الأطر الدستورية، حيث ترك أمر تقديرها لسمو الأمير باعتباره أبو السلطات.
ودمتم سالمين.