مع التوسع في إنشاء الهيئات والجهات بالجهاز الحكومي تعددت الجهات الملحقة وتزايدت الهيئات المستقلة التابعة للوزراء حتى أصبح عددها يعادل تقريبا 5 أضعاف عدد الوزراء! وقد يختلف عدد وتبعية الجهات والهيئات الملحقة طبقاً لمسمى الحقيبة الوزارية التي يتولاها الوزير، بمعنى أنه بمجرد تغيير مسمى الوزير يتغير عدد الجهات أو الهيئات الحكومية التابعة له!!
إن وجود هذا العدد الكبير من الجهات والهيئات والإدارات الحكومية يثقل كاهل الوزير الذي يشرف عليها ناهيك عن التداخل والتشابك في الاختصاصات بين هذه الهيئات والجهات الحكومية ليست التابعة للوزير فقط، بل قد تتداخل وتتشابك مع هيئات وإدارات حكومية تابعة لوزير آخر، وقد ثبت وبالممارسة الفعلية عن بعض التشكيلات الوزارية السابقة عدم التناسب بين التخصص العلمي والخبرة العملية للوزير مع الحقيبة الوزارية المسندة إليه، ومع تخصص وطبيعة الهيئات والإدارات الحكومية التي يشرف عليها طبقاً للحقيبة الوزارية المسندة له!! وفي بعض التشكيلات الحكومية السابقة لم يتم تقسيم هذه الهيئات والجهات والإدارات الحكومية بشكل علمي وعملي دقيق ومدروس، بل تمت بشكل اجتهادي وحسب قوة شخصية ونفوذ الوزير المعين!
إن عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لترشيقه Downsizing وزيادة كفاءته وفعاليته
Effectiveness & Efficiency يجب ألا تتم من خلال عقد اجتماع أو مجرد لقاء مع القيادات الإدارية والمسؤولين في الجهاز الحكومي، فإعادة هيكل الجهاز الحكومي Restructuring تتطلب دراسات مستفيضة تتفق مع رؤية الدولة وتوجهاتها المستقبلية Strategic vision، وعليه يتطلب الأمر الاستعانة بالخبرات الإدارية والتنظيمية والقانونية في هذا المجال، ويجب ألا يوكل الأمر لمستشار قانوني أو إداري أو تنظيمي وحيد، فموضوع إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة يتطلب وجود فريق Team إداري وتنظيمي وقانوني ومحاسبي متكامل ومتخصص Spacialised يستطيع نقل الجهاز الحكومي من حالة الترهل والتشابك والتداخل في الاختصاصات وعدم التوازن في توزيع الصلاحيات وتحديد المسؤوليات إلى جهاز رشيق ومرن يستطيع أن يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والتحول الرقمي Digital Transformation والمتغيرات الاجتماعية والإدارية والقانونية والتنظيمية والاقتصادية والسياسية بكفاءة وفاعلية ويستطيع استشراف المستقبل، ووضع الخطط الاستراتيجية المناسبة للتعامل مع التحديات المستقبلية وإدارة المخاطر بكفاءة.
وكذلك يستطيع هذا الفريق الاستشاري المتخصص وضع الحلول المناسبة للتعامل مع العمالة الزائدة وتحديد الأعباء والواجبات الوظيفية المناسبة من خلال نظام متميز لتوصيف وتقييم الوظائف وتحديد سلم عادل للرواتب والأجور وفقاً للكفاءة خاصة، وأن العالم يتجه للاعتماد على الخبرات والقدرات والمهارات الفنية Skills أكثر من اعتماده على الشهادات الجامعية.
نعم نحن بحاجة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري والتنظيمي للدولة، ولكن التسرع في الأمر يمكن أن ينتج عنه عواقب وخيمة إذا لم تدرس بأسلوب علمي وعملي ومن قبل فريق متخصص له خبرات علمية وعملية في المجال التنظيمي والإداري والقانوني والمحاسبي، إضافة لذلك يتطلب الأمر دعماً Support إعلامياً وسياسياً من أعلى المستويات.
وقد ذكرت في مقال سابق أهمية وضرورة إعادة هيكلة الجهاز الحكومي وأن عملية دمج بعض الهيئات والإدارات وتقليص الصلاحيات لن تمر بسهولة، وسيتم مقاومتها من بعض المتنفذين وأصحاب المصالح في الجهاز الحكومي.
أتمنى أن تستمر جهود ومحاولات إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، وألا يتم الالتفات إلى أصوات المعوقين في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لأن مصلحة الوطن فوق الجميع.
ودمتم سالمين.