أسدل الستار على السباق البرلماني و(خلصت وملصت وانتهت) حكاية امتدت أسابيع مطولة تداخلت فيها أيام فضيلة وكريمة من شهر رمضان المبارك، واختلط فيها الحابل بالنابل ما بين التزامات اجتماعية وانتخابية شتت الشعب تركيزه فيهما، فطوبى لمن جعل الأولوية للأولى وتعبد ووصل رحمه، وجعل متابعة السياسة للساسة ومقاماً ثانياً دون الطاعة والعبادة.
وكي تكون المسألة ذات موضوعية ودون أي اعتبارات شخصية (أو حتى شخصانية موجهة) يجب أن تتم قراءة مخرجات الانتخابات بتسلسل يفرضه فرضاً العقل المدرب تدريباً هندسياً منطقياً، وهو لله الحمد ما أملك وأحاول أن أطبقه في شتى مناحي الحياة، ففي المقام الأول يجب قراءة طبيعة المرشحين واستشعار صبغتهم وماضيهم ومواقفهم السابقة، ومن بعدها وهو ثانياً، يجب إسقاط كل هذا على ما تعهد به المرشحون وسط حملاتهم الانتخابية ذات الزخم والوعود الرنانة، أما ثالثاً وأخيراً وحتماً ليس آخراً أو أقل أهمية، فهو استشراف المستقبل والتنبؤ المبني على التحليل المنطقي لهذا كله في ظل الصراعات السياسية على الساحة الكويتية.
أما فيما يختص المحور الأول، نجد أن جل النواب السابقين قد خاضوا الانتخابات في رسالة واضحة أن الثقة المتبادلة مع قواعدهم ما زالت موجودة، وأن برامجهم الانتخابية ما زالت حية وتمس هموم الشعب بالأخص فيما يتعلق بتحسين المعيشة الذي أصبح النغمة الرنانة لدى الجميع دون إنكار لأهميته بالطبع، ومع دراسة طبيعة المرشحين الجدد (البارزين) الذين لم يحالف الأغلب منهم الحظ في الوصول الى قبة عبدالله السالم نجد أن الوعي الشبابي قد ازداد، والملف القضائي في بسط سلطات المحكمة على أمور الجنسية أصبح أمراً مطروحاً ومتداولاً على الساحة تزامناً مع الأحداث السياسية الأخيرة في البلاد، لكن وبكل موضوعية طغت الشعبوية على تلك الرؤى الانتخابية أيضاً، وافتقرت إلى برامج متكاملة تعنى بشتى مناحي الحياة، ولم يكن هناك مرشح ذو طرح متكامل البتة يتطرق الى إصلاحات فنية وصحية واقتصادية واجتماعية وهكذا.
وعليه نجد أن إسقاط الوعود الانتخابية على توليفة البرلمان أمر شبه طبيعي لا محال، لأن تلك الوعود (وأحيانا التهديدات) لا تعطي ثقلاً للقادم من الأيام، أو وزناً للتغيرات الطارئة على الساحة، فلم تكن تلك الوعود لترقى إلى مستوى رجالات دولة تواجه التحديات القادمة على الجبهة الداخلية أو الخارجية، بل انشغلت إلى حد كبير في دغدغة مشاعر المواطنين الناخبين لا أكثر، والدليل على ذلك هو انجراف نواب اليوم إلى معارك جانبية كتلك التي تخص انتخابات مكتب المجلس والتصريحات السياسية اللا منهجية في الطرح، وعليه يتعين على الشخص الواعي والناضج أن يستشف أن هذا المجلس القادم يضم عدداً كبيراً من النواب الذين سيشكلون صداعاً وصداماً مع الحكومة المقبلة بسبب غياب التنسيق والتشاور وتماشي بعض الأولويات مع بعض، وهو الأمر الذي يتعين على حكومة الرئيس د. محمد صباح السالم أن تضع نصب الأعين وفي حساباتها أشخاصاً ذوي كفاءة سياسية تفاوضية ليبحر هذا المركب ويتماشى مع الواقع الراهن، بل يجب على الحكومة القادمة أولاً أن تلتزم إلى حد كبير ببرنامجها المقدم سلفاً، فهي حكومة جديدة إلى حد ما، وأن تضع «الرتوش» فقط عليه لتترك لنفسها فسحة للتفاوض السياسي مع البرلمان، وتتشكل علاقة حكومية برلمانية صحية دون الخوض أو التفكير في أمور من شأنها إحياء شبح رفع عدم التعاون.
هل يمكن لهذا أن يتحقق في ظل كل هذه الظروف السياسية الراهنة؟!! شخصياً أشك في ذلك، وأعتقد أن عمر المجلس قصير جداً، وأن الصدام قادم لا محالة، أما بالنسبة إلى الحل المنطقي لهذه المعضلة فهو في دخول مفاوضين للحكومة يستطيعون أن يمتصوا الصراعات القادمة من خلال الحكمة والدبلوماسية البرلمانية.
على الهامش:
تميز إعلان النائبة الفاضلة جنان بوشهري خوضها انتخابات مكتب المجلس وتحديداً ترشحها لمنصب نائب الرئيس بطرح رؤية وأهداف تصبو إلى تحقيقها بكل وضوح وشفافية، وبهذا نسجل لها نقطة مهمة تتقدم بها على الجميع، بل هو تطور في الاتجاه الصحيح للعملية البرلمانية الكويتية على أمل أن يحذو الجميع حذوها في المستقبل ليتعين على الجميع المفاضلة بين كل المتقدمين لأي منصب داخل البرلمان.