مع انشغال العالم بموعد وكيفية ردها المباشر على ضرب قنصليتها في دمشق، بدأت إيران، أمس، انتقامها من إسرائيل باحتجاز سفينة بالخليج، في عملية محدودة ومحسوبة لجس النبض، خصوصاً بعد رفض الرئيس السوري بشار الأسد عرضها لنقل المعركة الكبرى إلى الجولان.

وفي ظل التحذيرات من اندلاع حرب إقليمية متعددة الجبهات قد تعصف باستقرار المنطقة على وقع استمرار العدوان على غزة منذ 7 أشهر بلا أفق قريب لنهايته، شرعت إيران أبواب مواجهة بحرية مع إسرائيل في مياه الخليج العربي قد تستدعي صداماً مباشراً مع القوات الأميركية والبريطانية المنتشرة في المنطقة لحماية الملاحة بالممرات الدولية، مما يضع العالم أجمع في حالة من القلق والتأهب.

Ad

واستولى الحرس الثوري بعملية إنزال على بعد 50 ميلاً قبالة سواحل الفجيرة الإماراتية على ناقلة الحاويات «أم سي أس أريز» المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي وترفع علم البرتغال، واقتادها وطاقمها المكون من 20 بحاراً فلبينياً إلى السواحل الإيرانية.

وبعد 3 أيام من وصف قائد القوة البحرية في «الحرس» الوجود الإسرائيلي في دول خليجية بأنه يمثل تهديداً لإيران وتلويحه بإغلاق مضيق هرمز، حذر وزير الدفاع محمد أشتنياني من أن «أي دولة تفتح أجواءها أو أراضيها أمام إسرائيل لضرب إيران»، ستلقى الرد الحاسم من بلاده.

وفي محاولة، حسبما يبدو لتجنب صراع أوسع في الشرق الأوسط، قال مسؤول دفاعي أميركي إن الولايات المتحدة تقوم حالياً بنقل قوات إضافية إلى المنطقة لتعزيز جهود الردع الإقليمية وزيادة الحماية للقوات الأميركية.

وأمس الأول، حذر الرئيس الأميركي جو بايدن إيران من الإقدام على أي هجوم يستهدف إسرائيل، مؤكداً في الوقت نفسه أنه يتوقع أن يكون الهجوم الإيراني وشيكاً.

في هذه الأثناء، نقل وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان إلى الرئيس السوري بشار الأسد عتب القيادة عليه، لتعلّله في كشف الاختراقات الأمنية الإسرائيلية التي أدت إلى اغتيال قادة الحرس الثوري.

وفي تصريح لـ «الجريدة»، كشف مصدر رافق عبداللهيان في رحلته إلى دمشق يوم الاثنين، أنه أبلغ الأسد أن إيران لديها خطط للانتقام من إسرائيل بسبب استهداف القنصلية الإيرانية وعمليات الاغتيال الأخرى، أهمها الحاجة إلى التنسيق معه بشأنها، وهي أن تقوم إيران باستهداف وتدمير كل البنى التحتية للجيش الإسرائيلي في الجولان بعشرات الآلاف من الصواريخ والمسيّرات المفخخة، وتقوم جبهة المقاومة بالتوازي بمهاجمة المنطقة المحتلة وإعادتها لسورية وإبعاد شبح التهديد الإسرائيلي عن دمشق للأبد.

وأضاف المصدر أن عبداللهيان أكد للأسد أن إيران مستعدة أن تضمن استعادة جبهة المقاومة للجولان من إسرائيل، لكن الأمر يحتاج إلى غطاء من الجيش السوري واستقراره فيها بعد إخراج الإسرائيليين.

وحسب المصدر، فإن الأسد سأل الإيرانيين إن كانوا قد نسّقوا مع الروس بشأن هذه الخطة، وأبلغه عبداللهيان بأن طهران لا ترى ضرورة للتنسيق معهم، لأن الروس لم يلتزموا بتأمين أجواء سورية وضمان أمن الإيرانيين فيها، ولهذا فإن القيادة الإيرانية عاتبة عليهم أيضاً.

وقال إن الأسد رد بعد تأنٍّ على عبداللهيان بأنه لا يرى مصلحة في أن تفتح جبهة الجولان حالياً، في حين يقاتل الجيش السوري بالشمال، وهذا الأمر يحتاج إلى فصل أعداد كبيرة منه، وبالتأكيد فإن الموضوع سيواجه بردات فعل إسرائيلية، وسورية حالياً ليست في ظروف تسمح لها بالدخول في هكذا معركة.

وأضاف أن الأسد طلب من عبداللهيان أن ينقل إلى القيادة الإيرانية تحياته واعتذاره عن عدم قبول هذه الخطة، مؤكداً أنه يمكن أن يقبل بها في المستقبل.

ووفق المصدر، فإن الأسد أكد لعبداللهيان أيضاً أنه أوعز للأجهزة السورية وعدد من الشخصيات الأمنية المقرّبة منه بإجراء تحقيقات سرية لكشف الاختراقات، ووعد بأنه سيسلّم قريباً رأس العملاء الذين كانوا متعاونين مع إسرائيل للإيرانيين، حتى لو كانوا سوريين.

وقال إن الأسد ذكر للوزير الإيراني أن طهران يجب أن تُجري تحقيقات داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها أيضاً، لأنه يعتقد أن الاختراق في داخل الأجهزة الإيرانية أكثر من السورية أو الروسية، ويمكنه تسليم مستندات تثبت ذلك أيضاً.

وأضاف أنه «في حين قمتم باتهام الأجهزة الأمنية السورية والعراقية بأنها سربت معلومات عن تحركات قاسم سليماني أدت إلى اغتياله من جانب الأميركيين، فإنّ التحقيقات فيما بعد أكدت أن التسريب كان عبر أحد الإيرانيين المتعاونين مع الحرس الثوري، والذي كان شبه ابن معتمد من قبل سليماني».

وأشار المصدر إلى أن أحد المواضيع الأخرى التي تم بحثها في اللقاء كان محاولات إسرائيل إثارة الفوضى في لبنان عبر اغتيال أحد عناصر القوات اللبنانية بأيدٍ سورية، حيث إن الأسد أكد أن الأجهزة الأمنية السورية بدأت أيضاً تحقيقات في ملابسات الموضوع، حيث إنه يمكن أن يكون هؤلاء الذين قاموا بهذا العمل أيضاً عملاء لإسرائيل، وقاموا بهذا العمل لإشعال فتيل حرب داخلية جديدة في لبنان، وإثارة اللبنانيين ضد السوريين.

وفي تفاصيل الخبر:

في خضم ترقب دولي وإقليمي لرد انتقامي إيراني، قالت واشنطن إنها تتوقع أن يكون كبيراً ومباشراً، على اغتيال عدد من أبرز قادة «الحرس الثوري» في دمشق بغارة جوية نسبت لإسرائيل الأسبوع الماضي، فتحت طهران جبهة بحرية مباشرة ضد الملاحة التجارية المرتبط بإسرائيل في مياه الخليج العربي، مما قد يستدعي صداماً مباشراً مع البحرية الأميركية والبريطانية المنتشرة في المنطقة بهدف حماية حرية الملاحة الدولية بمواجهة الضربات التي تنفذها جماعة «أنصار الله» الحوثية منذ اندلاع حرب غزة.

وأعلنت القوة البحرية في «الحرس الثوري» أنها احتجزت ناقلة الحاويات «إم سي إس أريز» وقالت إنها مرتبطة بإسرائيل كانت ترفع العلم البرتغالي وتديرها شركة «زودياك»، ومقرها لندن، التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر واقتادتها إلى السواحل الإيرانية أمس.

وذكرت وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية أن قوات «الحرس الثوري» الإيراني سيطرت على السفينة بإنزال جوي على متنها بالقرب من مضيق هرمز.

وأفادت تقارير بأن السفينة، التي تم تحديد موقعها آخر مرة قبالة دبي متجهة نحو مضيق هرمز أمس الأول، كان يتواجد على متنها 20 بحرياً فلبينياً عند الاستيلاء عليها، خلال نقلها حاويات للهند.

وجاء الحادث الذي وقع على بعد 50 ميلاً بحرياً قبالة الفجيرة بعد 3 أيام من تهديد قائد القوة البحرية في الحرس الثوري بإغلاق مضيق هرمز «في حالة الضرورة»، معتبراً أن الوجود الإسرائيلي يمثل تهديداً لإيران.

حرب إقليمية

في غضون ذلك، حذر وزير الدفاع محمد اشتنياني من اندلاع «حرب إقليمية»، مؤكداً أن «أي دولة تفتح أجواءها أو أراضيها أمام إسرائيل لضرب إيران»، ستلقى الرد الحاسم.

وأكد النائب جواد قدوسي أن «الكيان الصهيوني في الساعات القادمة، سيفهم أنه سيعاقب بصواريخ سجيل وخيبر شكن وشهاب الإيرانية في حال أقدم على اغتيال شخصيات جبهة المقاومة في أي مكان في العالم».

في المقابل، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن «نظام إيران الإجرامي يدعم جرائم حماس وينفذ الآن عملية قرصنة في انتهاك للقانون الدولي، وأدعو الاتحاد الأوروبي والعالم الحر إلى إعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية وفرض عقوبات على إيران على الفور».

في موازاة ذلك، قال المتحدث العسكري دانيال هاجاري، إن إيران ستتحمل العواقب في حالة اختيارها المزيد من التصعيد. وإسرائيل في حالة تأهب قصوى للحماية من أي عدوان آخر. ومستعدون أيضاً للرد».

وأمس سربت تقارير أن تل أبيب أكملت الاستعدادات والتجهيزات للتعامل مع الرد الإيراني المحتمل على ضربة دمشق. وقالت إن الجيش اتخذ سلسلة من النشاطات في محاولة الكشف عن استهدافات صاروخية إيرانية واعتراضها، بينها تسيير دوريات للمقاتلات الجوية في السماء، وتفعيل نشط لحالة التأهب القصوى للنظام الدفاعي الجوي ونفس الأمر بالنسبة للمعلومات الاستخباراتية.

كما تحدثت «القناة الـ 12» عن احتمال اللجوء لاستخدام قنابل «كهرومغناطيسية» داخل إيران إذا أقدمت على ضرب منشآت إسرائيلية استراتيجية، مشيرة إلى أن من شأن هذا السلاح، الذي لم يستخدم من قبل بالحروب الحديثة، أن «يعيد طهران إلى العصر الحجري إذ تتسبب تلك الأسلحة في شل محطات الكهرباء والإلكترونيات بمحيط سقوطها دون أن تتسبب بقتل الأفراد».

تعزيزات أميركية

ومع ارتفاع أصوات حرب قد تبتلع المنطقة، قال مسؤول دفاعي أميركي ليل الجمعة ـ السبت «إننا نقوم حاليا بنقل قوات إضافية إلى المنطقة لتعزيز جهود الردع الإقليمية وزيادة قوة الحماية للقوات الأميركية».

وذكر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، أمس الأول، خلال استقباله قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال إريك كوريلا، أن إسرائيل والولايات المتحدة تقفان جنباً إلى جنب في مواجهة إيران.

وكانت الولايات المتحدة زادت بالفعل من وجودها العسكري في المنطقة بشكل كبير في أعقاب هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر الماضي وأطلق شرارة حرب غزة، وأرسلت عدة سفن حربية إلى شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر.

وأمس الأول، حذر الرئيس جو بايدن إيران من الإقدام على أي هجوم يستهدف إسرائيل، مؤكداً في الوقت نفسه أنه يتوقع أن يكون الهجوم الإيراني وشيكاً.

وأتت تحذيرات واشنطن لطهران بموازاة جهود دبلوماسية وضغوط تمارسها بمساعدة لندن وباريس لحمل الإيرانيين على ألا يشنوا هجوماً مباشراً وكبيراً على تل أبيب، في حين كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن مسؤولين كباراً في «البنتاغون» أعربوا عن إحباطهم إزاء عدم إخطار إسرائيل الولايات المتحدة قبل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق نظراً لآثارها على القوات والمصالح الأميركية في المنطقة.

يشار إلى أن عدة مصادر وتقارير أشارت إلى أن إيران أوقفت رداً عسكرياً كبيراً على إسرائيل للانتقام لمقتل 7 من عناصر «الحرس الثوري» بينهم العميد قائد فيلق القدس في سورية ولبنان محمد زاهدي في قصف استهدف قنصليتها بدمشق بعد تحذير أميركي بأن واشنطن ملزمة بالدفاع عن حليفتها «حتى النهاية».

وفي ظل التوتر المتزايد بالمنطقة، قررت هولندا إغلاق سفارتها في طهران وقنصليتها في أربيل بشمال العراق. كما أعلنت شركات طيران «لوفتهانزا» و»أوستريان إيرلاينز» و«كوانتاس» تعديل مسارات رحلاتها تفادياً للمرور في المجال الجوي الإيراني وسط استمرار الترقب لتصاعد المواجهة.