لا بُدّ لنا من التروّي في تحليل أي قرار سياسي، فما نقرأه أحياناً من مانشيت صحافي بالصفحة الأولى ما هو إلّا حافة رأس الجبل الذي يطفو على سطح المحيط، غير أن الجزء العملاق الذي يصل إلى القاع ولا نراه بأعيننا هو ما دار وراء كواليس ذلك القرار من مباحثات وخلافات وتنازلات، وبهذا المنطق نرد على أنفسنا وعلى كل من استخدم مصطلح «قص فينا الحبل»، تعبيراً عن صدمة سماع قرار الاعتذار عن قبول الرئاسة وخسارة كامل الرصيد الشعبي الذي دام عقوداً وجعله محطة لنيل الثقة، لذلك علينا ألّا نتطرف بانتقاده في كل ما نقوله وندع الباب موارباً، لنلتمس له العذر، فقد يكون مجبراً على ذلك.
ولكن الثقة كانت كبيرة جداً، وكان لا بُد من تسمية التملص منها هروباً كبيراً، ولكن ليعِ مَن تخلّى بهذه السهولة عن مواجهة قوى الفساد المطالبة بوقف سحب الجناسي المزورة أنها قد تكون المحطة الأخيرة التي سيترجّل فيها عن الرئاسة، رغم أن قضية سحب الجناسي يدعمها عموم الشعب الكويتي الأصيل الملتف حول قيادته السياسية الحازمة التي جعلت الوحدة الوطنية شعاراً لهذه المرحلة، القيادة التي تملك حلّ مجلس الأمة إذا ما تمادى في هذا الانحراف، مما يأخذنا إلى مخاوف أكثر في عدم إمكانية صمود هذا الشخص في قضايا أكثر خطورة على الساحة الدولية والإقليمية المتأججة حالياً!
الشهر الماضي يكون قد مر ثمانون عاماً على واحدة من أكبر عمليات الهروب عبر الأنفاق أثناء الحرب العالمية الثانية لأكثر من سبعين طياراً سجيناً من الحلفاء، وبعد اصطيادهم، قام هتلر بإعدام ثلاثة أرباعهم، لتكون الحكمة أن كل عملية فرار كبيرة تقابلها عملية إعدام، وعليه، فإنه باعتذاره عن قبول الرئاسة، لا ندري طوعاً أو كرهاً، لم يخسر ثقة الناس بسبب هروبه الكبير فحسب، بل كان ذلك أشبه بإعدام سياسي.
***من السخرية أن ينصحنا سياسي لبناني موالٍ ومنغمس في مستنقعات نظام دمشق والحزب التابع لإيران، ويغوص في دهاليز فسادهم ويعيش في أزقّتها ويمشي بين أروقتها.
لذلك نقول له باللبناني: «حاصلو خيو ما تعتل همنا وما بتخصك ديموقراطيتنا، فهي ليست من شأنك»، وبالكويتي «مو شغلك»، وبالإنكليزي «مايند يور أون تراش»، فلولا ديموقراطيتنا لم يكن مجلس الأمة ليوافق على أن يقدّم الصندوق الكويتي للتنمية، من خلال حصتنا بالصندوق العربي، مساعدات للبنان قاربت المليار دولار، التي لولاها جنباً إلى مساعدات دول خليجية أخرى، لما أصبحت لديكم البنية التحتية التي، مع الأسف، تُدمّر بين الحين والآخر من حزب طهران بالجنوب، كان آخرها تفجير صوامع القمح التي أنشأتها الكويت وراح وزير اقتصادكم يستجدينا لإعادة بنائها، وهو ما يعارضه أغلبية الكويتيين.
المضحك أنه لو كان لهرائكم أيّ قيمة لأنقذتم به دولتكم من الميليشيات التي تحكمها وتصل ثروات زعمائها إلى مئات مليارات الدولارات المخزّنة لدى سويسرا والأخرى المجمدة وبما يوازيها من أموال مهرّبة تفوق أضعاف العجز العام للدولة، لتستهلك قوت المواطن اللبناني، فلماذا لم نسمع صوتكم المزعج لإجبارهم على إعادة إعمار لبنان؟!
المشكلة أن تصريحاتك لا تزال موجودة بمواقع التواصل، لتكشف لنا ضحالة من يتشدق بالديموقراطية ثم يضرب بكأس من الماء ضيفاً معه في برنامج على الهواء «صار الوقت»، لأنه خالفه الرأي، ونكتشف أيضاً تفاهة من يقول في تغريدة «أنا من جهتي مع الفساد وبدّي كل السلطة»!
رسالتنا ليست للشعب اللبناني الأصيل المغلوب على أمره، بل هي لمن تطاول على ديموقراطيتنا ونظامه السياسي مُختطف من إيران، والفساد مستشرٍ في جيوب أسياده وحساباتهم الخاصة، لذا فلا ينتقد ديموقراطياتٍ من لا ديموقراطية له، و«سد نيعك وئام بيك»!
***إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.