بداية، قال الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني، إن تقدير مستقبل أسعار النفط على المدى المتوسط من منظور 2023، الذي لعب الجانب الجيوسياسي الدور الأهم في تقلباته، ولكن في حدود 90 دولاراً لخام برنت، ومن المرجح أن يستمر الأثر الجيوسياسي كعامل أساسي مهم في 2024، على المدى المتوسط، في السنوات الخمس القادمة، لافتاً الى انه يمكن تقدير أسعار النفط من خلال 3 عوامل مؤثرة هي:
- العامل الأساسي الدافع لأسعار النفط هو النمو الصناعي السريع، فهو بحاجة لطاقة أسرع من أن توفرها له الطاقة البديلة (النظيفة!)، «فلو أخذنا الصين كمثال، فالتقارير تشير الى ان نموها الاقتصادي قد تجاوز 5 بالمئة، وكذلك النمو الاقتصادي المتسارع في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، الذي ارتفع من 2 الى 2.9 بالمئة في 2024، فالطلب العالمي على النفط سيستقر على معدل سنوي عام يقدر بـ 2.2 مليون برميل يوميا».
- العامل الضاغط على أسعار النفط، خلال السنوات الخمس القادمة، هي المخزونات العالية التي تجاوزت، 2.73 مليون برميل، خصوصاً من قبل زيادات الولايات المتحدة السريعة ودول إفريقيا وأميركا الجنوبية، إضافة إلى قوة الدولار الذي بدأ يستقر على مستويات عالية منذ أكثر من شهر.
- أما العامل المتقلب المؤثر في تقلبات أسعار النفط، الذي سيستمر خلال السنوات الخمس القادمة، فهو العامل الجيوسياسي، حروب غزة وأوكرانيا، من جانب، وتناقض الإدارة الأميركية وشركاتها حول التمدد في الاستثمار، النفط والتحفظ البيئي من جانب آخر، إضافة إلى سياسة «أوبك+» في التعامل مع الإنتاج المتقلب خارج دول المنظمة.
صحي ومتصاعد
وأضاف أن هناك إمكانية لاستنتاج أن الطلب على النفط صحي ومتصاعد، وسيسير في المسار الصحيح بتنامٍ، ومن المرجح أن يصل سعر الخام إلى 100 دولار، وكل المؤشرات تدعم ذلك، لافتا إلى أن تأرجح العرض هو الذي سيغلب عليه النقص عن الوصول إلى تحقيق مستوى الطلب في أغلب فتراته.
وقال بهبهاني إن الجميل في قرارات «أوبك+» انها تتم مراجعتها بشكل ربع سنوي، مشيرا إلى أن تحالف «أوبك+» خفض إنتاجه 2.2 مليون برميل يوميا منذ نهاية 2022، وتنوي زيادة الخفض بـ 1.2 مليون برميل يوميا من الربع الثالث لعام 2024، فقد وعدت السعودية بخفض طوعي بقدار 750 ألف برميل يوميا.
وأشار إلى أن فعالية قرارات تحالف «أوبك+» تواجه تحديا يتمثل في مدى التزام دول التحالف بالتخفيضات، حيث إنها لا تنفذها حسب الحصص المقدرة لها، فهناك 550 ألف برميل يوميا مؤجلة من قبل التزامات بعض دول الأعضاء.
مراعاة التوازن
ونوه إلى أن «أوبك+» تراعي التوازن في تقدير الخفض الكلي، فمن جهة تريد سعرا عادلا يحمي الاستثمارات الاستكشافية، ومن جهة أخرى تتحاشى تطرف الأسعار التي قد تشجع الاستثمارات في الطاقة البديلة التي لم تثبت جدواها في مواكبة سرعة الحاجة للطاقة، مبينا أنه في الوقت نفسه، تراعي المخزونات العالمية العالية.
ولفت إلى أنه نتيجة زيادات إنتاج دول خارج «أوبك+» كدول إفريقيا، الولايات المتحدة، وأميركا الجنوبية، ورغم ذلك يظل الأثر المعنوي لقرار «أوبك+» فعالا في حركة الأسعار.
وقال ان تخفيض المكسيك صادراتها النفطية الخام 35 في المئة الى الولايات المتحدة أثر في أسعار الخام الأميركي صعوداً. والباعث هو الاعتماد على المشتقات المحلية لارتفاع المستورد منها.
وأضاف: سبق ذلك التقليص لبيع الخام عدد من دول أعضاء «أوبك+»، منها الكويت، حيث زادت في صادرات المشتقات التي أثبت جدوى الهامش الربحي لها.
وأشار بهبهاني إلى أن اضطراب النقل عبر البحر الأحمر اثر بشكل فعال ومباشر للنقل التجاري للبضائع، فقد تم إجبار الناقلات التجارية إلى تحويل مسارها إلى رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا، مما أضاف 2000 ميل لمسار الناقلات، وزاد كلفة الشحن 80 في المئة، مشيرا إلى هذه الناقلات عوضت تأخيرها إلى زيادة حاويات النقل، مما أزعج أنصار البيئة، حيث اصطحب ذلك ازدياد الانبعاثات الكربونية.
صعوبة النقل
وقال «أما بالنسبة للنقل الخام إلى أوروبا فالأثر قليل، حيث يشير مرصد حركة الناقلات الـ 80 في المئة، من الـ 4 ملايين برميل يوميا، التي تنقل عبر باب المندب (البحر الأحمر)، مازال يمر بأمان، منوها إلى أن المؤشرات بالفعل تشير الى أن المشتقات الأوروبية تواجه صعوبة في نقل منتجاتها عبر البحر الأحمر إلى آسيا، وكان من صالح المنتجات الروسية في تعويض القيود المفروضة على صادراتها النفطية، لافتا الى استفادة دول الخليج، منها الكويت والسعودية، في زيادة صادراتها من المشتقات النفطية الى أوروبا، مختتما تحليله بأنه لا يرى أن ارتفاع أسعار النفط خام برنت إلى 90 دولارا، كان نتيجة قيود البحر الأحمر، مشيرا إلى أنه سيكون هناك اثر نفسي على حركة الناقلات في مضيق هرمز الذي بدأت مؤشراته.
النفط الكويتي
من جانبه، قال المحلل النفطي، كامل الحرمي، إن برميل النفط الكويتي يسجل سعراً قدره 90 دولاراً، وعندما تنطلق السنة المالية الجديدة، يتوقع أن يستمر هذا المعدل. ورغم أن هذا السعر مناسب إلى حد ما، فإنه لا يكفي لتغطية العجز المالي المتوقع في نهاية السنة المالية في مارس من العام المقبل. لكن، إذا استمرت أسعار النفط في الارتفاع ووصلت إلى مستوى 100 دولار فسيكون ذلك مناسباً لجميع دول منظمة أوبك وخارجها.
وأضاف ان تزايد الطلب العالمي على النفط، بالإضافة إلى الاضطرابات في شحن النفط عبر البحر الأحمر، يشكلان عاملين رئيسيين في ارتفاع الأسعار، منوها الى انه مع تكهنات بتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، يمكن أن يؤدي ذلك إلى أزمة في صادرات النفط إلى أوروبا، خصوصا مع تقليص الطلب على النفط الروسي.
وأشار الى أنه مع وجود مخاوف من التضخم المالي، لا ترغب البنوك العالمية في ارتفاع حاد بأسعار البرميل، مما يؤثر على الاقتصاد الأميركي خاصة، حيث يُحاول الحفاظ على معدل مناسب من التضخم، ولكن يبدو أن ارتفاع الأسعار حالياً قد يكون مؤقتاً، ما لم يحدث زيادة كبيرة ومستدامة في الطلب العالمي على النفط.
ولفت الى أنه لمواجهة هذه التحديات، أعلنت الإدارة الأميركية استراتيجية لشراء كميات كبيرة من النفط الخام لملء المخزون الاستراتيجي، بهدف منع ارتفاع أسعار البرميل بشكل متطرف. وعلى الرغم من ذلك، يتوقع أن تترقب الأسواق النفطية وتأخذ في الاعتبار مخزونات النفط الأميركية، مما قد يؤثر على استمرار الأسعار حول مستوى 90 دولاراً أو أعلى بقليل.
الطلب الأميركي
وتابع الحرمي: يشار إلى أن الطلب الأميركي على النفط بعد الهجوم الأوكراني على المنشآت النفطية الروسية، قد يزيد من الضغط على الأسعار ويؤثر على المعروض النفطي، ومع اقتراب الانتخابات الأميركية يزداد الضغط على المستهلكين وأصحاب السيارات مع ارتفاع أسعار البنزين في محطات الوقود.
وشدد على أنه يجب على الكويت أن تستعد لتحديات مستقبلية، بما في ذلك الحاجة إلى أسعار نفطية تفوق 94 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن المطلوب، مشيرا الى أنه من الضروري أيضاً خفض المصاريف والتوجه نحو استثمارات حقيقية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتوجه نحو قيمة مضافة من مشاريع استثمارية حقيقية لا من صرف فقط 30 بالمئة عليها في ميزانية العام الماضي.
التنبؤ بالأسعار
بدوره، قال رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي في مجموعة الشموخ لخدمات النفط في أبوظبي، د. علي العامري، إنه من الصعب التنبؤ بالأسعار بدقة، لكن من الممكن أن ترتفع أسعار النفط حسب الظروف إلى مستويات تفوق 100 دولار للبرميل على المدى المتوسط إذا ما استمرت التوترات الجيوسياسية في مناطق إنتاج النفط، أو إذا وقعت أحداث غير متوقعة تؤثر على العرض والطلب. كما يمكن أن تؤثر السياسات الدولية والتطورات الاقتصادية العالمية على الأسعار أيضًا.
وأضاف أن قرار «أوبك+» بتمديد خفض الإنتاج حتى نهاية العام الحالي قد يؤثر على ارتفاع الأسعار إذا استمر الطلب على النفط في الزيادة، ولم يحدث أي تغيير في العرض بشكل كبير، لافتا الى أن هذه الخطوة تعد تقليلًا في العرض المتوقع، مما يمكن أن يعزز الأسعار، ولكن هذا يعتمد أيضًا على عوامل أخرى، مثل التطورات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
خفض المكسيك
وتوقع العامري أن يؤدي خفض المكسيك لصادرات النفط إلى زيادة الضغط العالمي، وبالتالي زيادة أسعار الخام، مشيرا الى أن هذا يعود إلى أن خفض صادرات المكسيك بمقدار 122 الف برميل يوميًا من النفط من نوعه المتمثل في الخامة المايا الثقيلة، قد أدى إلى ارتفاع أسعار هذا النوع من الخام على ساحل الخليج إلى حوالي 77.20 دولارا للبرميل حتى الآن هذا الشهر، مقارنة بحوالي 70 دولارا في الربع السابق والسنة الماضية.
ولفت الى أن هذا التقليل في العرض يضاف إلى عوامل أخرى، مثل تراجع صادرات المكسيك، فضلا عن إعادة فرض عقوبات على صادرات فنزويلا المحتملة، وقرب بدء تشغيل خط أنابيب النفط الكندي.
واختتم العامري بأن العوامل التي ذكرتها سابقا تضاف إلى ضخامة اضطرابات العرض، قد تسهم في زيادة الضغط على الأسعار، إضافة الى تأثير الهجمات على الناقلات في البحر الأحمر وتأخير شحنات النفط الخام، إلى جانب قرارات خفض الإنتاج التي تتخذها «أوبك+» وبعض الدول غير الأعضاء في التحالف، كلها تسهم في زيادة التوترات بالسوق وتعزيز الصعود في أسعار النفط.
يارديني: خام برنت قد يصل إلى 100 دولار
يرى الخبير إد يارديني أن تفاقم الصراع في الشرق الأوسط قد يؤدي لارتفاع أسعار النفط ووصول خام برنت إلى مستوى 100 دولار للبرميل.
وذكر رئيس «يارديني ريسيرش» في مذكرة صدرت هذا الأسبوع أن التصعيد الأخير للحرب الإقليمية من المرجح أن يؤدي إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يقرب من 100 دولار، كما حدث عندما غزت روسيا أوكرانيا أوائل عام 2022.
وأضاف: هذا يذكرنا إلى حد كبير بالسبعينيات عندما أدت أزمتان للطاقة إلى تغذية دوامة الأجور والأسعار والإيجارات التي استمرت لعقود من الزمن.
بينما يتوقع «جيه بي مورجان» عدم تجاوز سعر خام برنت مستوى 90 دولارًا للبرميل حتى مايو، ووصول متوسط السعر في الربع الثاني إلى 85 دولارًا.