رسم الدستور مهام وحدوداً واضحة لمجالات عمل السلطات واختصاصاتها لضمان استقلالية كل منها في مواجهة السلطتين الأخريين، مع تحديده الأحوال والمبررات الاستثنائية للتداخل بضوابط وإجراءات خاصة.

وقد عني الدستور الكويتي برسم مهام وحدود واضحة لمجالات عمل السلطة التنفيذية واختصاصاتها، لتكون نطاقاً يحظر على السلطتين الأخريين اقتحامه أو الافتئات عليه، تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها في نظام برلماني متكافئ ومتوازن.

Ad

ورغم ذلك، فإنّ الممارسات البرلمانية - بتجربة اثنين وستين عاماً - تمخّضت عن تجاوزات عديدة وخطيرة تمت وتتم على مجالات عمل السلطة التنفيذية واختصاصاتها، وهي في وتيرة متزايدة ومتسارعة، حتى خرجت عن مرحلة التدخل والتداخل، لتأخذ منحى الحلول مكان السلطة التنفيذية واغتصاب اختصاصاتها، الأمر الذي يستدعي تعقّبها والتنديد بها، لأنها تسبب خللاً واضطراباً بعمل السلطة التنفيذية، قانونياً وسياسياً وعملياً، بما يفرضه ذلك من تدارك بخطوات عاجلة مستحقة، لمنع تداعي النظام الدستوري الكويتي والركائز والثوابت التي شيّد عليها.

ويبدو أن النمط الفردي للنظام السياسي في الكويت، جعل أعضاء مجلس الأمة خمسين حزباً وخمسين مشروعاً وخمسين مصدراً للقلق وإثارة الأزمات، وأمام ضيق فرص تكوين حكومة من أغلبية من أعضاء البرلمان لتتولى قيادة العمل التنفيذي، بصفتها السلطة التنفيذية، لعدم نجاح تجربتَي 1992 و1994، لارتدادات آثار المشاركة في الحكومة على الأعضاء المستوزرين، وأمام حقيقة أن الاختصاص التشريعي والرقابي لعضو مجلس الأمة لا يحقق مكسباً شعبياً مباشراً وملموساً على الفور لخدمات وتلبية طلبات الناخبين لضمان استمرار المقعد النيابي الفاسد، فقد وجد الأعضاء - بكل أسف - طريقهم لذلك البقاء بمقاعد النواب، والحصول على نفوذ الوزراء من خلال الابتزاز وتجييش الجماهير ورفع الكلفة على الوزراء الممانعين، وتوظيف الاستجوابات المتتالية بلا حكمة ولا مواءمة، فجُلّ اهتمامهم غنائم المناصب الوزارية من تعيينات وترقيات وزيادة مرتبات وعلاوات وبعثات وعلاج سياحي، وغيرها الكثير، فصاروا هم مصدر الفساد بالسلطة التنفيذية لمشاركتهم الخفية في إدارتها، أو وضع من يمثلهم ويحقق لهم ذلك (تعيين مديري مكاتب الوزراء)، فخلق سلوكاً وممارسات فيها تجرؤ على اقتحام ميدان السلطة التنفيذية والقيام بمهامها، خلافاً للدستور، دون تبعات لذلك، مع توالي هشاشة الحكومات وتساقطها، لأنّ التحالفات المصلحية والخدمية التي تستنزف مقدرات الدولة وتتجاوز نظمها وترهق مؤسسيتها وتفرّغها من آلياتها، أوهن من بيت العنكبوت، وفي نهاية المطاف ينسلّ الأعضاء الفاسدون والمتمصلحون والمحرجون والصامتون، بعيداً عن المسؤولية والأنظار، وتقع فأس المسؤولية على رأس الوزراء ورئيس الوزراء، ومن ثم يتولّد قِصَر عمْر الحكومات، والنتيجة تحمّل البلد والناس ثمن حالة اللااستقرار وتعطل المشاريع، ويخرج أولئك الأعضاء من المشهد بصورة الأبطال وهم مركز الفساد والإفساد.

آن الأوان لإعادة الأمور إلى نصابها بمنع تغوّل النواب على عمل السلطة التنفيذية باقتحام ميدانها وتجاوز حدودهم الدستورية، بما في ذلك الحلول محلها بالظل والواقع، وهو ما يجب وقفه لتصحيح المسار، وقد شهدنا الفشل المتوالي للحكومات بسبب حكومات النعامة، والاستئساد النيابي المهيمن على المشهد بأنماطه الناعمة والغوغائية، وسنورد لاحقاً رصداً لحالات التدخل.

فمنذ مجلس 1985، تزايدت حالات التدخل، وصار التشريع - بكل صلافة وأسف - أدوات تنفيذ، وتم تطويع العمل التنفيذي لأعضاء مجلس الأمة بممارسات برلمانية ليس اختصاصها ذلك، فمعظم ما يقوم به الأعضاء اليوم، تحت مسمى اقتراحات بقوانين أو المساءلة، هو لتمكين أنفسهم للقيام بالعمل التنفيذي وحصد مكاسبه الشعبية دون مساءلتهم، وهو انحراف يتجاوز الحدود الدستورية، لا مثيل له لا بديموقراطيات أخرى ولا في سوابق العمل البرلماني الكويتي الرشيد. ولم يكن يدور في خلد واضعي الدستور هذا الانحدار، حتى بلغ مرحلة صريحة وجريئة بتقنين ذلك بمسمى الخريطة التشريعية، فتتم إدارة الشؤون التنفيذية من أعضاء المجلس عبر التشريع، وهو خارج نطاق اختصاصهم، تحايلاً على المادة 98 من الدستور التي منحت الحكومة منفردةً وضع برنامجها دون مشاركة من البرلمان، وهو ما يستدعي التصدي له ووقفه، ومن يرغب في دخول السلطة التنفيذية من الأعضاء ليقوم بمهامها، فليكن ضمن تشكيلها الوزاري، أو ليكفّ عن الممارسات اللا دستورية تجاوزاً للحدود الدستورية للسلطات، وخصوصاً انتهاكهم للمواد 20 و50 و51 و98 و115 و123 و140 من الدستور.