بذلت دولة الكويت خلال نصف القرن الماضي ومطلع القرن الحالي جهوداً كبيرة لإقامة مجتمع عصري وبناء دولة حديثة معتمدة في ذلك على زيادة دخل النفط خلال السنوات الماضية، حيث حققت الميزانية العامة للدولة فائضاً وزيادة في تنمية احيتاطيات الدولة، مما زاد من المطالبات الشعبية بزيادة المشاريع الوطنية الكبرى Mega Projects التي تهتم بالبنية التحتية والمشاريع التنموية المتعلقة بالصحة والتعليم والإسكان والنقل والمواصلات.

إلا أن معظم سياسات الدولة في عملية التنمية بدولة الكويت قد تبنت سياسة التوسع في الإنفاق العام وتوزيع الثروة بدلاً من تنمية مصادرها، مما نتج عن تلك السياسات مجموعة من الاختلالات الهيكلية مثل اختلال الميزانية العامة، حيث ارتفع حجم الإنفاق العام وهيمنت الإيرادات النفطية على الإيرادات العامة، وعدم ارتباط الإنفاق العام بالتغيرات السنوية للإيرادات واختلال الآليات الاقتصادية، وسيطرت الدولة على معظم النشاط الاقتصادي واستمرار الاعتماد على النفط كمصدر وحيد لتكوين الدخل القومي وتمويل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، ونتيجة لذلك تراجع دور القطاع الخاص.

Ad

بالإضافة إلى ذلك فإن اختلال هيكل قوة العمل والمجتمع السكاني الذي تمثل بزيادة الطلب على العمالة الوافدة، وتسهيل عملية استقدام الوافدين وتوظيفهم، وتدني نسبة المواطنين الكويتيين إلى إجمالي قوة العمل واختلال في مخرجات التعليم، وتركز قوة العمل الوطنية في القطاع الحكومي وفي الأنشطة الأقل إنتاجية، بالإضافة إلى الزيادة العددية والنسبية للوافدين، مما نتج عنه خلل في تركيبة المجتمع السكاني للدولة.

وبحكم ملكية الدولة لمصادر الثروة النفطية، واتساع دور القطاع العام، تراجع دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتضخم الجهاز الحكومي مما أدى إلى زيادة دور الدولة في التوظيف وتقديم الخدمات الحكومية المجانية ودعم الأسعار وتشابك الاختصاصات بين الوزارات والأجهزة الحكومية، وظهور نزعة الاعتماد على الدولة، وكنتيجة لذلك تراجع دور الآليات الاقتصادية في تخصيص الموارد وتوزيع مصادر الدخل، ولم يستطع الاقتصاد الكويتي تطوير بدائل ملائمة لتنويع مصادر الدخل، وإحداث تغييرات جوهرية في هيكل الاقتصاد الكويتي الذي ظل يعتمد على النفط كمصدر رئيس، وأصبحت هذه الاختلالات الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية والمالية والبشرية تشكل قيداً ومعوقاً للتنمية الشاملة في ظل المتغيرات المحلية والتطورات العالمية المتسارعة.

وقد تطرق العديد من المفكرين والمتخصصين واللجان المحلية والمنظمات العالمية المتخصصة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية إلى المشاكل والقضايا التي تواجه المجتمع الكويتي، واقترحوا العديد من الخطط والتوصيات المهمة في هذا المجال، حيث حدد البنك الدولي على سبيل المثال بعض القضايا والمشاكل المهمة التي تعترض المسيرة التنموية بدولة الكويت، مثل تعديل سوق العمل وإصلاحه، وتحسين الوضع المالي، وتنويع مصادر الدخل والخصخصة، وتقليل دور الحكومة، وتقليل أو إلغاء الدعم للخدمات الحكومية والسلع الأساسية، وإدارة الثروة البشرية الوطنية، ولم تجد هذه الدراسات والتوصيات أذناً صاغية من الحكومات المتعاقبة بالرغم من المحاولات التي بذلت من بعض اللجان والمتخصصين في مجال التخطيط والتنمية بسبب بعض التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعقبات السياسية والتشريعية والضغوط والمطالبات الشعبوية من بعض أعضاء مجلس الأمة خلال فترات الشد والجذب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وخصوصاً خلال فترة الاستجوابات العديدة والمتزايدة التي شهدتها الحياة البرلمانية بدولة الكويت خلال السنوات العشر الماضية.

وفي الجزء القادم من هذا المقال سنتطرق إلى محاولات دولة الكويت لمعالجة السلبيات والمعوقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي واجهت خطة التنمية، ومحاولة طرح بعض المقترحات لتجاوز هذه العقبات ومعالجة هذه المشاكل.

ودمتم سالمين.