الطريق الذي لم تسلكه الصين إلى زعامة العالم
صادفت الصين في فجر القرن الحادي والعشرين سلسلة منعطفات حاسمة لم يكن يمكنها أن تعيد صياغة مصيرها وحدها إنما مصير العالم كله، فقد سنحت سلسلة لافتة من الفرص المهدرة والاحتمالات التي كان من شأنها أن توجِّه أحداثًا عالمية في مسار مختلف.
ولعل الأهم هو احتمال تأدية دور رئيس في صراعات دولية، أي دور كان يمكن أن تؤديه بكين لو سمح أفقها السياسي الداخلي وقرارات قادتها الاقتصادية والاستراتيجية للصين بوضع نفسها في موضع قوى العالم البارزة، بدعم حازم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
عند بداية الألفية وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة في صراعين مطولين في العراق وأفغانستان، وبعد عام 2001، تعاونت الصين مع الولايات المتحدة في أفغانستان، فظفرت بحسن النية، غير أنه بعد مشكلات مبكرة في العراق في ما بين 2003 و2004، ابتعدت الصين، وبقيت على مسافة وعزلة، وذلك هو الوقت الذي كان ينبغي أن تساعد الصين فيه الولايات المتحدة بكل وسيلة ممكنة لها، متطوعة بإرسال قوات إلى هناك، فقد كان ذلك سينشئ رابطة قوية بين البلدين.
كان من شأن ذلك التحالف أن يقصِّر أمد الصراعين ويرسي الأساس للمزيد من التعاون في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فيغير من الأوضاع الجيوسياسية في العالم، وربما كان ليساعد في استقرار الشرق الأوسط، وينشئ مسارا بريا سلميا عبر أوروآسيا ويؤدي إلى استقرار أسعار النفط وتطبيع إنتاجه في العراق، وربما كان سيطلق شرارة طفرة اقتصادية وربما كان ليحول دون وقوع الأزمة المالية سنة 2008.
في السنوات نفسها، كانت الصين تواجه مشكلات تخصها، فما بين عامي 2002 و2007، أبرز انتقال السلطة من جيانغ زيمين إلى هو جينتاو قضايا الخلافة الأساسية واقترح إمكانية إجراء إصلاح سياسي رمزي في الصين، وفي الوقت نفسه، كان يمكن أن يبدأ إدخال الانتخابات الموجهة في هونغ كونغ، وكان ينبغي أن تحظى الملكية الخاصة بحماية قانونية كاملة، وأن يصدر عفو عام عن الجرائم الاقتصادية السابقة فيسمح للاقتصاد الصيني ببدء صفحة جديدة.
كان لمثل هذه الخطوات أن تظهر التزاما بانفتاح سياسي تدريجي، وتعزز صورة الصين محلياً وعالمياً، وكان للحزب والقيادة أن يخرجا من ذلك أقوى وأشد.
كان يمكن أن يتم علاج قضية «الأمراء الصغار» داخل الحزب الشيوعي من خلال إقامة غرفة وراثية تدمج هيكلي الدولة والحزب، وكان لذلك أن يمثل خطوة مهمة في تطبيع دور النخب مع إمكانية ترتيب الخلافة السياسية وممارسات الحكم.مبادرة الحزام والطريق الرامية إلى تعزيز التواصل والتعاون العالميين كانت أكبر مشاريع الصين الدولية طموحاً
كانت علاقات الصين بجارتيها اليابانية والهندية متوترة على مدار التاريخ، وبخاصة فيما يتعلق بالنزاعات على الأرض.
فكان من شأن خطوة جريئة تتمثل بالتنازل عن جزر سينكاكو لليابان وتقديم تنازلات حدودية للهند، مشفوعة ربما باستجلاب عشرة آلاف معلم للغة الإنكليزية من الهند، أن تؤدي إلى تحسن هائل في العلاقات، وكان من شأن انتشار إجادة اللغة الإنكليزية في أنحاء الصين أن تزيد قوة القدرة الصينية في التنافسية العالمية، في ضوء أن الإنكليزية هي اللغة المشتركة في الاقتصاد الدولي.
مثلت الأزمة المالية سنة 2008 لحظة حاسمة للاقتصاد العالمي، وكان لقرار من الصين آنذاك بجعل عملتها الرنمينبي قابلة للتحويل أو ربطها علنا بالدولار الأميركي أن يحول عملتها إلى حجر أساس في النظام المالي العالمي.
إضافة إلى ذلك، فإن تبني اقتراح الرئيس أوباما سنة 2009 بتقليل الانبعاثات في مقابل نقل تكنولوجيا مع تيسير خفض معقول لقيمة العملة الصينية أن يضمن قدرا هائلا من حسن النية من الدول النامية تأثرا بطفرة الصين التصديرية، وكان من الممكن أن يؤدي الاعتدال في تدابير التحفيز المالي خلال تلك السنوات إلى زيادة استقرار النمو الاقتصادي في الصين.
كانت مبادرة الحزام والطريق الرامية إلى تعزيز التواصل والتعاون العالميين أكبر مشاريع الصين الدولية طموحا، لكن بدلا من استبعاد الولايات المتحدة من الخطة، كان يمكن للانتقال بمقرها إلى لوس أنجلس أو سان فرانسيسكو أن يمثِّل ضربة للحساسية الجيوسياسية، فقد كان يمكن لهذه الشمولية أن ترسخ مكانة الصين بوصفها القوة العظمى الرائدة في العالم، بدعم لا قيد له من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
باختصار، في حين أن الطريق الذي لم تسلكه الصين كان يمكن أن يعبِّد تحديات معقدة ومخاطر محتملة، فإنه يمكن أيضا أن يبشر بعالم قائم على التعاون في الزعامة العالمية، والحلول الوسطى الاستراتيجية والالتزام بالإصلاحات المحلية والدولية.
وليست تلك الصين- التي كان يمكن أن تكون- هي محض أمر من أمور الماضي، ففي الوقت الذي أصبحت فيه علاقات الصين مع جيرانها والولايات المتحدة أكثر برودة كانت الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط تتأجج، فإن تلك التساؤلات قد تكون أيضا بمنزلة مخطط لأسلوب وأفكار يمكن، بل ينبغي لها، أن تحدد مستقبل البلد.
وما هذه غير أمثلة للمشاريع التي ربما طرحت أو لم تطرح، ولكل فكرة من الأفكار السابقة، كان هناك بالتأكيد كثير من الأسباب الوجيهة لتجاهلها، ولكن بدلا من أن تكون حديثا عن الماضي، فهي تتعلق بالمستقبل.
لقد حالت حكمة الأمس المفرطة دون أن تتخذ القيادة «الخطوات المناسبة»، وهو ما أدى إلى الوضع الحالي، واليوم، تبدو المشاكل أكثر تعقيدا بكثير مما كانت عليه بالأمس، كما أن القرارات تبدو أكثر حساسية، ومع ذلك، يحتاج العالم أكثر من الأمس إلى جهود الصين وتفكيرها الجريء والرائع.
وفي حين أن الولايات المتحدة مشتتة جزئيا بسبب انتخاباتها الرئاسية، فقد يكون لدى بكين الوقت للتفكير بعناية وتجربة شيء
*فرانشيسكو سيسكي: أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة بكين