اللجان المؤقتة... صداع مزمن في رأس السلطة التشريعية
عددها أكثر من «الدائمة» رغم الاعتراضات المستمرة على سلب الاختصاصات وتأثيرات فقدان النصاب
تعمل اللجان البرلمانية بشقيها الدائم والمؤقت على دوران عجلة التشريع والرقابة في أروقة مجلس الأمة، فقد منح المشرّع مجلس الأمة حق تشكيل اللجان البرلمانية الدائمة والمؤقتة وفق تقديره، لتمكين أعضائه من البحث في القضايا والأمور المستحدثة في المجتمع للوصول إلى وضع التصورات والحلول المناسبة، لكون مجلس الأمة هو مسند التشريع والرقابة الذي خصه بها المشرّع دون بقية السلطات.
وبعد أن تحدثت «الجريدة» عن اللجان الدائمة وأعمالها، فإنها تستعرض اليوم اللجان المؤقتة التي يشكلها المجلس مع بداية كل دور انعقاد، والتي زاد عددها في الآونة الأخيرة على اللجان الدائمة، ووفق المراقبين، فإنها صداع مزمن في رأس السلطة التشريعية، نظراً للخلافات النيابية - النيابية المستمرة من جهة، نتيجة صراع الاختصاصات، إضافة إلى تأثيرها على عمل اللجان الدائمة.
ونص الدستور في المادة 93 منه «يؤلف المجلس خلال الأسبوع الأول من اجتماعه السنوي اللجان اللازمة لأعماله، ويجوز لهذه اللجان أن تباشر صلاحياتها خلال عطلة المجلس، تمهيداً لعرضها عليه عند اجتماعه»، كما نص في مادته 114 على أنه «يحق لمجلس الأمة في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضوا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاص المجلس، ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم».
سير العمل
ونص الدستور في المادة 177 على أن «يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، وتبيّن اللائحة الداخلية الجزاءات التي تقرر على مخالفة العضو للنظام أو تخلّفه عن جلسات المجلس أو اللجان من دون عذر مشروع».
كما نصت اللائحة الداخلية للمجلس في المادة 44 أن «للمجلس أن يؤلف لجاناً أخرى دائمة أو مؤقتة حسب حاجة العمل، ويضع لكل لجنة ما قد يراه من أحكام خاصة في شأنها، ويجوز للجنة دائمة كانت أو مؤقتة أن تشكّل من بين أعضائها لجنة فرعية أو أكثر حسب ما تقتضيه أعمالها، وتضع اللجنة العامة النظام الخاص بلجانها الفرعية»، في حين نصت المادة 147 منها على أنه «يحق لمجلس الأمة في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضوا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاص المجلس، ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم. ويشترط أن يكون طلب التحقيق موقّعا من 5 أعضاء على الأقل».
وتكون للجان التي يشكّلها مجلس الأمة للتحقيق في أمر معيّن من الأمور الداخلة في اختصاصه، وفقا للمادة 114 من الدستور، الصلاحيات المقررة في المادتين 8,9 من اللائحة الداخلية في شأن لجنة الفصل في صحة العضوية».الحكومة تتخلى عن رأيها في تشكيلها ونواب يستنجدون بها
ووفق ما نصت عليه المادة 93 من الدستور عادة ما يشكل مجلس الأمة لجانه الدائمة والمؤقتة في أول جلسة له، لكونها الجلسة الوحيدة التي تُعقد في ذات الأسبوع، وأحياناً يكتفي بتشكيل لجانه الدائمة فقط في أسبوعه الأول إذا لم يسعفه الوقت، على أن يشكل لجانه المؤقتة في الجلسة التي تليها - بعد أسبوعين -، فكثيراً ما يدور السجال في بند تشكيل اللجان المؤقتة بين أكثر من طرف وأكثر من فريق داخل المجلس فور تلاوة طلب تشكيله لعدة أسباب.
وعلاوة على ما نصت عليه المادة 46 من اللائحة الداخلية أن «تجتمع اللجان كل شهر مرتين على الأقل، ولا يسري هذا الحكم على اجتماعات اللجان فيما بين أدوار انعقاد المجلس»، إلا أنه في كثير من المجالس تظهر تقارير اجتماعات اللجان البرلمانية عدم عقد عدد من اللجان «المؤقتة» اجتماعات لها، حسبما نصت عليه اللائحة الداخلية، أو عدم إنجاز تقاريرها المكلفة بها.
ويأتي في مسار اللجان المؤقتة نوعان، الأول تكون لجنة لبحث مواضيع واهتمامات معنية بقضية أو شرائح محددة، والنوع الثاني يأتي على شكل لجان تحقيق في قضايا محددة، كما أن هناك لجاناً مؤقتة أخذت صفة اللجان الدائمة في المجالس المتعاقبة في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها اللجنة السكنية ولجنة الشباب والرياضة ولجنة حقوق الإنسان ولجنة المرأة والأسرة والطفل.
أما جوهر الاختلاف النيابي - النيابي، والتصعيد التي تشهده جلسات تشكيل اللجان المؤقتة، وتصل الى حد تبادل الاتهامات بشكل أو بآخر، هي عند تقديم طلبات تشكيل لجان مؤقتة أو تحقيق من قبل مجموعة من النواب، وزاد عدد اللجان المؤقتة حتى زادت على عدد اللجان الدائمة، وكاد الرقم يكون مضاعفاً في بعض الأدوار، ففي المجلس الماضي (2023)، بلغ عدد اللجان المؤقتة 19 لجنة، منها 3 لجان تحقيق، مقابل 11 لجنة دائمة، وربما يعود سبب كثرة اللجان بعد أن امتنعت الحكومة من المشاركة في تشكيل اللجان، ومعها امتنعت من إبداء رأيها في أي طلب يتم تقديمه منعا لتصادم مع المجلس.
وعلى سبيل المثال، وتحديداً في المجلس المبطل 2022 عندما تقدّم طلب تشكيل لجنة مؤقتة لشؤون النفط والطاقة، أثير جدل نيابي - نيابي في جلسة مناقشة الطلب، حينما قال النائب حمدان العازمي آنذاك أن لهذه اللجنة سوابق، فقد سبق أن شكلت لجنة تحقيق مع القيادات النفطية، ونحن لا نريد أن نقول إنه ابتزاز، وأنا أريد أن أسمع رأي وزير النفط ورأي الحكومة فيها بهذا الشأن، فالنفط هو العمودي الفقري للبلد، ولا يجوز هذا، فهذه لجنة خطيرة ولا نطعن في مقدمي الطلب ونبتعد عن الشبهات»، وشكّل المجلس اللجنة دون أن تبدي الحكومة عبر أي من وزرائها أي ملاحظة أو استفهام.
وكانت الاعتراضات الكبرى من اللجنة المالية البرلمانية على تشكيل اللجان المؤقتة التي رأت أنها تسلب اختصاصاتها، وسبق أن تحفظت عن نحو 5 لجان مؤقتة للسبب ذاته، منها لجنة شؤون النفط وتنمية الموارد البشرية ولجنة القسائم الصناعية.
القسائم الصناعية
وفي هذا السياق، يُذكر السجال الذي دار في آخر طلب تشكيل لجنة تحقيق في شبهات توزيع القسائم الصناعية، حينما علّق النائب شعيب المويزري في حينها قائلا: أقول للإخوة مقدمي الطلب لماذا لا تكلفون اللجنة المالية؟ وماذا بقي من اختصاصات اللجنة المالية؟!، وتبعته بالتعليق النائبة د. جنان بوشهري قائلة: هناك لجنة مالية ولجنة حماية الأموال، وإذا المراد التحقيق يمكن تكليف إحدى اللجان.
واستمر مسلسل الخلافات النيابية حول تشكيل اللجان المؤقتة، حتى المجلس الماضي 2023، وكان أبرزها مسألة الخلاف في الدمج بين طلبين، الأول معني بتشكيل لجنة مؤقتة بالذكاء الاصطناعي، والطلب الآخر معنيّ بلجنة مؤقتة للأمن السيبراني.
وعلّق النائب محمد المطير في حينها بـ «أن كثيرا من اللجان المؤقتة تأخذ من عمل اللجان الدائمة»، وتبعه النائب بدر نشمي معلقاً «كثر ما تشعبنا فيها - في تشكيل اللجان المؤقتة - أهلكنا موظفي الأمانة العامة».
واستمرت سلسلة الخلافات النيابية حتى ما بعد الأسبوع الأول من عمر المجلس الأخير، ففي جلسة 7 فبراير الماضي، تقدّم النائب النائب السابق د. حمد المطر ومجموعة من النواب آنذاك بطلب تشكيل لجنة تحت اسم «حماية الأسرة من المخدرات»، رغم وجود لجنة مؤقتة أخرى تحت اسم «لجنة المرأة والأسرة والطفل»، وعلّق النائب السابق أسامة الشاهين في حينها أن «هناك 3 لجان معنيّة بهذا الأمر، وأدعو الزملاء لتكليف إحدى اللجان المختصة»، فقال النائب محمد هايف «لجنة الظواهر السلبية تناقش قضية المخدرات، إذا شكلت هذه اللجنة لرفع هذا الملف من لجنتنا»، وعقب المطر بقوله «هناك لجنة للنفط مقابل وجود اللجنة المالية، قدمت طلب تشكيل اللجنة وأنا لديّ مشروع لمكافحة المخدرات وأرجو من النواب تمكيني»، ووافق المجلس على تشكيل اللجنة بعد أن أبدت الحكومة موقفعا بامتناعها عن التصويت التزامنا بموقفها بعدم المشاركة في تصويت اللجان، وذلك على لسان وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة وزير الدولة لشؤون الشباب وزير الدولة لشؤون الاتصالات داود معرفي.
وتتجه الأنظار إلى جلسة 14 مايو المقبل، حيث الموعد المحدد لافتتاح دور الانعقاد من الفصل التشريعي الثامن عشر، والذي سيشهد تشكيل اللجان الدائمة، وكذلك المؤقتة، فهل يتعلم النواب الدرس ويقننون اللجان المؤقتة التي تسلب اختصاصات اللجان الدائمة، وتؤثر على اجتماعاتها من باب فقدان النصاب، أم يستمر مسلسل التسابق على تشكيلها؟!
18 عاماً على تأسيس لجنة الظواهر السلبية
من اللجان المؤقتة التي أثير حولها الكثير من الجدل النيابي والشعبي لجنة «دراسة الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع الكويتي»، كما أطلق عليها مقدمو الطلب الذي ذُيّل بتوقيع 45 نائبا في حينها، والتي مضى على وجودها كلجنة مؤقتة في المجلس نحو 18 عاماً، وإن كانت تعثرت في بعض الأدوار، وكان أول طلب يقدم لإنشائها تحديداً في دور الانعقاد الثاني مجلس 2006، واستمرت تحت هذا الاسم حتى تغيّر مسماها، وأصبحت في المجلس الماضي تحت اسم «لجنة تعزيز القيم ومعالجة الظواهر السلبية»، وإنجازاتها على مدار تلك الفترة الطويلة لا تكاد تذكر.الحكومة تترك «حبل» اللجان على «غارب» النواب
«الحبل على الغارب»، مثل يصف حال النواب والحكومة بعد أن اتخذت الأخيرة مبدأ عدم مشاركتها في التصويت على اللجان، وعدم إبداء رأيها أو الاستفهام عن الهدف من انشاء اللجان المؤقتة، بعد أن كانت الحكومة غالبا ما تستفهم عبر وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة حول الهدف الذي يراد من أجله تشكيل اللجنة والمدة حسب ما نصت عليه اللائحة الداخلية، وفي أحيان أخرى، تأخذ موقف المعارض لإيمانها بأن التوسع في إنشاء اللجان المؤقتة، نظرا لما يتبع من التزامات على وزرائها أو قياداتها في الحضور الى اللجان الدائمة، إضافة الى اللجان المؤقتة، إلا أنها تخلّت في السنوات الأخيرة عن الموقف برمّته دون أدنى استيضاح أو استفهام، حتى مع استنجاد ومحاولات استنطاقها من بعض النواب، تاركة حبل اللجان على غارب النواب في الدخول بسجالات وسحب اختصاصات اللجان من بعضهم البعض، وتتشتت القضايا بين اللجان.