اشنقوه ثم حاكموه
انصبوا مشنقة وعلّقوا عليها الأستاذ الجامعي المتهم بالتشكيك في القرآن، ماذا ينتظر نواب الغمة حين قصفوا وفجّروا بخطاباتهم جامعة الكويت؟ (يا الله تزيد النعمة عليها وعلى بقية الجامعات الخاصة في مضارب قندهار الخليج).
حتى أمين الجامعة بالوكالة بدولة فوق الخيل، التي تدار معظم إداراتها بالوكالة، لم يجد أمامه إزاء هذا القصف المدمر غير رفع الراية البيضاء وحشر نفسه معهم، أي نواب التحف المتهالكة، في استعراض المزايدات لاستنفار المشاعر الدينية الدفينة، وأكد حرص الجامعة على احترام ديننا الحنيف وقدسية القرآن.
التهديدات من ثوار مجلس الشغب الجديد تعالت لتصل إلى وزير التربية الذي لن يجد أمامه إزاء هذا الإرهاب البرلماني غير الصمت أو السير مع «هوسات» وصرخات الحرب والثأر النيابية!
ماذا بعد؟ لا أحد يعرف ماذا قال الأستاذ الذي حُكم عليه مسبقاً قبل سماع أقواله في محاضرته للطلبة، وكيف شكك بالقرآن، وما هي صور التشكيك موضوع التهم المدمرة، ولماذا قامت أستاذة جامعية بالوشاية عليه، وهل الطلبة الذين أكدوا اتهامات النواب محايدون في علاقتهم مع الأستاذ المتهم؟... لا ندري.
استقلالية الجامعة وحرية البحث العلمي كيف يكونان عندما يهب عوير وزوير ليفرض كل منهما رؤيته ومزايدته العصابية، كي يكسب المزيد من أصوات الجهل بأفغانستان الخليج شبه الديموقراطية؟
حدثت قبل مئة عام مثل تلك الاتهامات ضد طه حسين في كتابه عن الشعر الجاهلي، وحفظت القضية عند النيابة، بعد أن قدّم وكيل النيابة الذي حقق فيها مرافعة رائعة في تحديد القصد الجنائي وقصد الإساءة أو البحث العلمي في الموضوع.
قبل أعوام أيضاً زج بالراحل أحمد البغدادي في السجن أيضاً لعبارة سارحة لصحيفة الجامعة بعد حملة تحريض عليه قام بها سدنة وحرّاس العقيدة في ذلك الوقت.
أين ننتهي اليوم مع أكوام القمع والملاحقات الفكرية ضد الكتّاب والأكاديميين وأهل الأدب والثقافة؟
عام 94 غُرست سكين في رقبة نجيب محفوظ، وبعدها بسنة واحدة فرّقت المحاكم بين د. نصر حامد أبوزيد وزوجته، بحجّة أنه مرتد، وقبل كل ذلك اغتيل فرج فودة، وأفتى بشهادة بائسة رجل دين «معتدل» في محاكمة القاتل بكفر الباحث الضحية، وقبل عامين هجم شاب صغير على الروائي سلمان رشدي بسكين وقلع عينه اليمنى وقطع عروق رقبته، رغم أن المعتدي لم يقرأ حرفاً واحداً لهذا الكاتب، ولم يكن عنده غير فتوى الإمام الخميني التي ألغيت من جانب سلطات الجمهورية الإيرانية في وقت لاحق.
بعد خمسمئة عام على محاكمة جاليليو أمام محاكم التفتيش، لا يجد القلة من دعاة حرية الفكر في عالم البؤس العربي غير أن يقوموا سراً بضرب الأرض بأقدامهم ويقولوا إنها ليست مركز الكون وهي تدور حول الشمس... مثلما علماء السياسة هنا يتراقصون حول أصنام الجهل والاستبداد، ويطلقون صرخات حروب الخيبة على العقلانية الغائبة عن مكاننا وزماننا.