لما كانت أسواق المال هي المرآة الحقيقية التي تعكس أداء اقتصاد أي دولة، فإن الحديث عنها لا شك بأهميته من أجل إثراء النقاش في هذا المجال للمصلحة العامة.

لذلك، يهمنا في هذه المقالة التركيز على الهيئة المسؤولة عن إدارة أسواق المال بشكل رقابي وتشريعي، وهنا نتحدث عن هيئة أسواق المال التي تم إنشاؤها عام 2010.

Ad

ويهمنا أكثر تسليط الضوء على جوانب تتعلق بسلوك الهيئة ناحية الانتقادات التي تتعرض لها والشفافية والتواصل الإعلامي، حيث إنها جوانب مهمة تؤثر على كفاءة السوق على المدى البعيد. فلقد لوحظ في السنوات الماضية إعلان الهيئة من خلال مواقعها الرسمية عن إحالات للنيابة العامة لأشخاص استخدموا مواقع التواصل أو أية وسائل إعلامية أخرى لانتقاد عمل الهيئة بشكل عام، أو فيما يخص قضايا معيّنة يعتقد هولاء الأفراد بتقديرهم الشخصي أن الهيئة لم تقم بواجباتها بالشكل المطلوب، وبالتالي لم توفّر الحماية اللازمة للأسواق التي تديرها من أي عمليات تؤثر على كفاءة السوق المحلي، حيث تستند الهيئة في ذلك الى قوانين عدة تشير لها في كل إحالة، وغالبا من دون نشر محتوى ذلك الانتقاد، كان من أبرزها البند 5 من المادة 21 من القانون رقم 3 لسنة 2006، حيث تنص على أنه «يُحظر نشر كل ما من شأنه التأثير على قيمة العملة الوطنية، أو ما يؤدي إلى زعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي للبلاد، أو أخبار إفلاس التجار أو الشركات التجارية أو المصارف أو الصيارفة، إلا بإذن خاص من المحكمة المختصة»، علما بأن هنالك إحالات أخرى تتعلق بإبداء آراء على منصات التواصل وغيرها، ولكن لا تستند الى هذا القانون، وإنما الى قوانين أخرى متعلقة بالمطبوعات والنشر.

في البداية، لا شك في أن النقد إحدى أدوات الإصلاح والتطوير، لذا كانت إحدى علامات الأمم والشعوب المتقدمة وجود بيئة نقد عالية السقف يمارس فيها المختصون والمهتمون حقهم في التعبير عن آرائهم بكل شفافية ووضوح.

وفي المقابل، نجد أن الدول والأمم الرافضة للنقد والمتخمة بالمجاملات والمدح الزائف تعاني غالبا التخلف والتراجع على الصعد كافة.

وبناء على جميع ما ذكرنا أعلاه، نستغرب أولًا وجود قانون بهذا الشكل قد يحجر آراء فنية معتبرة بالشأن الاقتصادي في ظل «المادة 36 من الدستور»، ونستغرب ثانيا استخدامه من قبل هيئة أسواق المال ضد أفراد قد لا يملكون أي صفة رسمية مؤثرة.

والسؤال هنا فيما يخصّ تلك الإحالات وغيرها، خصوصا المتعلقة بالقانون المذكور أعلاه، هل هنالك دليل على أن هذه الآراء أثرت أو أن هنالك آراء مشابهة قد أثرت فعلا، بشكل مثبت، على العملة المحلية أو الاقتصاد الوطني واستقراره؟

والسؤال الأهم هو: هل من مصلحة أسواق المال وجود بيئة فكرية اقتصادية لا تمارس النقد ولا تملك حق تقييم أعمال الهيئة وأنشطتها؟ لأن ما تقوم به الهيئة من إحالات يبدو كأنه اعتراف ضمني بضعف السوق أمام أي نقد، وكذلك اعتراف غير مباشر بأن دور الهيئة وبرامجها ومشاريعها غير مقنعة للمستثمر المحلي والأجنبي والرأي الخاص بأفراد سوف يكون أكثر تأثيرا.

يُذكر أن «SEC»، وهي الجهة المماثلة لهيئة أسواق المال بالولايات المتحدة الأميركية، تتعرض للانتقاد بشكل اعتيادي، وهي مسؤولة عن تنظيم عمل أكبر المؤسسات المالية التي تدير أكبر الموشرات العالمية ذات القيم السوقية التريلونية. كذلك لا ننسى أننا في الكويت يتعرّض المسؤولون القائمون على النشاط المالي والاقتصادي للنقد بشكل شبه يومي، بل وعلى رأسهم رئيس الحكومة، ومع ذلك لم يقم أي أحد منهم باستخدام القانون أعلاه، بادعاء حماية الاقتصاد والعملة المحلية من الزعزعة والانهيار.

الأكثر أهمية، أن الهيئة أعلنت، من خلال رئيسها، في تصريح لـ «CNBC عربية»، في شهر أبريل 2023، اكتمال شروط الترقية لمؤشر فوتسي للأسواق الناشئة المتقدمة، وأنه لم يتبقّ سوى شرط واحد أمام الترقية يتوقع الانتهاء منه في غضون 3 أشهر، حيث ستكون الكويت الدولة العربية الأولى والوحيدة التي تنالها، وفق ما صرّح به، إلا أنه حتى الآن ونحن في شهر أبريل 2024 (أي بعد مُضيّ عام كامل) لم تتم هذه الترقية، رغم أن هذه السلوكيات لها تأثير أكبر على الثقة بالسوق واستقراره، باعتبارها تصريحات صادرة من المسؤول الأول عن عمل الهيئة، والتي ينظر لها بعين الاعتبار من جميع الأطراف المنخرطة في السوق.

كذلك أظهرت المراجعات الدورية لعدة مؤسسات مالية عالمية في السنوات الماضية، نتائج مخيبة للآمال، حيث أظهرت أن الكويت ليست الأفضل، بل غالبا الأسوأ من حيث الانضمام لمؤشراتها أو الخروج منها، مقارنة بدول الخليج، على الرغم من أنه لدينا أقدم سوق أوراق مالية بالمنطقة. كذلك تملك الكويت وزنا هو الأقل بعد السعودية والإمارات وقطر، فيما يخص مؤشر MSCI للأسواق الناشئة!

فهل سكوت الهيئة وعدم تعليقها على مثل هذه البيانات والتقارير وتوضيحها للرأي العام والمهتمين حفاظا على سمعة الأسواق وجاذبيتها أهمّ، أم ملاحقة أي نقد يوجه لعمل الهيئة حتى وإن كان من أفراد قد لا يكون لهم أي تأثير حقيقي مقارنة مع مؤسسات أجنبية عريقة أثبتت تقاريرها وقراراتها تدني أداء السوق، مقارنة مع أسواق المنطقة؟

ختاما، لا بدّ من الوعي بأن الجانب الإعلامي مهم والحديث عن الهيئة وعملها مفيد لمستقبل السوق، وإن كان نقدا مادام لم يتضمن تجريحا أو افتراء أو طعنا. أيضا واجب على هيئة أسواق المال أن تقوم بالرد على الانتقادات الموضوعية والفنية وذات الاعتبار من خلال بيانات عامة، وكذلك مهم جدا أن يفعل القائمون عليها من ظهورهم الإعلامي، كما هو الشأن في الدول المجاورة.

والأهم من ذلك أن ترد من خلال العمل الجاد لتطوير السوق من خلال سنّ قوانين حوكمة أكثر جودة، ومن خلال التأكد من تطبيقها بشكل فعال، إضافة الى تطوير الآليات المستخدمة وتنويع المنتجات المطروحة.

كذلك نطالب بشدة من يملك مسؤولية التشريع بأن يعيد النظر في ذلك البند المذكور أعلاه، حتى لا يستخدم بشكل مبالغ فيه لحماية بعض المسؤولين من أي نقد وإن كان بنّاءً.

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة

Soud.almutairi@port.ac.uk