الخطة الاستراتيجية والتنمية في دولة الكويت (2-5)
ذكرت في الجزء السابق من هذا المقال أنني سأتطرق إلى محاولات دولة الكويت لمعالجة السلبيات والمعوقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي واجهت خطة التنمية بشكل سريع ومحاولة طرح بعض المقترحات لتجاوز هذه العقبات ومعالجة هذه المشاكل، حيث حاولت خطط التنمية بدولة الكويت على مر السنين أن تعالج هذه السلبيات والقضايا من خلال بعض لجان الجهات المتخصصة مثل اللجنة الاستشارية الاقتصادية، ولجنة التخطيط والتنمية، ودراسة البنك الدولي، ودراسة توني بلير، وكذلك العديد من الدراسات التي قامت بها اللجان المنبثقة عن المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، ولكن لم يكتب لها النجاح للعديد من الأسباب والمعوقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبشرية.
ويرجع معظم هذه الأسباب إلى عدم الاستقرار وتعدد التشكيلات الحكومية خلال السنوات الماضية، وكذلك حل مجلس الأمة وإبطاله بشكل متزايد ومتسارع، بالإضافة إلى التردد في اتخاذ القرار من قبل السلطة التنفيذية والبطء الشديد في الإجراءات الحكومية، أتمنى ألا تتأخر السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة والسلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة أكثر مما تأخرت في إصدار التشريعات اللازمة وتطبيقها لمعالجة الاختلالات الاقتصادية في البلاد، والاستفادة من الدراسات والحلول التي يقدمها المتخصصون والجهات الدولية المتخصصة في هذا الشأن.
إلا أن أكثر ما يعيب ويعوق الخطط التنموية لدولة الكويت هو عدم تحديدها بشكل دقيق للرؤية الاستراتيجية (Strategic Vision)، وعدم الاتفاق على هذه الرؤية الاستراتيجية من جميع الأطراف المعنية، سواء كانت قيادات سياسية أو إدارية أو اقتصادية أو اجتماعية، بالإضافة إلى ضعف الإيمان بالتخطيط الاستراتيجي (Strategic Planning) من قبل بعض القيادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية في الجهاز الحكومي وفي المنظمات الحكومية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني.
وقد اعترفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية هند الصبيح عند استضافتها بمحافظة مبارك الكبير «أنه لا يوجد مفهوم التخطيط لدى كل مؤسسات الدولة بما فيها الأمانة العامة للتخطيط واليوم نحاول تعديل هذا المفهوم، وعملنا خطة تواصل، وبدأنا بالمدارس والجامعات لنشر الوعي التخطيطي». وأضافت: «لدينا قطاعات تخطيط ولكن لا يوجد اهتمام بالخطة، واليوم أصبحت هناك لجنة التنمية لمتابعة الخطط والمشاريع الكبرى، وهناك لجنة أولويات في مجلس الأمة لمتابعة الأولويات التشريعية المتعلقة بالخطة ولكن مازلنا في البداية». (جريدة الوطن 6 يناير 2015)، وبالرغم مما يشوب تجربة التخطيط والتنمية بدولة الكويت من عيوب وقصور فإنها تعد تجربة جيدة مقارنة مع بعض الدول في الوطن العربي. لذا فإن الاتفاق على أهمية تحديد الرؤية الاستراتيجية (Strategic Vision) للدولة من قبل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومن جميع الأطراف المعنية بالخطة الاستراتيجية للدولة يعد أمراً في غاية الأهمية.
فإذا تم الاتفاق على ماذا نريد أن تكون عليه الكويت في العقدين القادمين سواء مركزاً للاتصالات والمواصلات أو مركزا مالياً وتجارياً أو مركزا للخدمات العامة أو مركزا لتوطين التكنولوجيا المتقدمة، حيث يبقى تحديد الأدوار المطلوبة من هذه الأطراف، وعليه فإن أهمية تحديد دور الحكومة ومهامها لا يقل أهمية عن أهمية تحديد الرؤية الاستراتيجية في توعية وتعريف المجتمع بالخطة الاستراتيجية وأهدافها، وصياغة السياسات التي تتلاءم مع التوجهات العالمية والإقليمية والتعامل مع المتغيرات السريعة في مجال تقنية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، أو في مجال السياسات المتعلقة بإصلاح سوق العمل وتنويع مصادر الدخل، وتحسين الوضع المالي، ومشاركة القطاع الخاص والأهلي في تنفيذ وإدارة المشاريع والبرامج الحكومية.
وسيتم في الجزء القادم من هذا المقال طرح السؤال التالي: هل تملك الكويت الإمكانات والقدرات التي تؤهلها للتطوير والتنمية؟!
ودمتم سالمين.