معظم الدول الفقيرة أجبرتها ظروفها الاقتصادية على الاستدانة من صندوق النقد الدولي، فتعاظمت مشاكلها الاقتصادية لتتكاثر ديونها وتزداد فقراً، ولدينا أمثلة كثيرة لدول فقيرة تئن من اضطرابات سياسية بسبب تفاقم مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، ليتقدم منها صندوق النقد الدولي فارضاً شروطه القاسية، كالأرجنتين والبيرو ودول إفريقية وقعت في فخ صندوق النقد الدولي، لدرجة أن المؤسسات الإغاثية تؤكد أن كل طفل إفريقي في عنقه دين للصندوق والدول لا يستطيع سداده طوال حياته.
فهناك دول زراعية اشترط عليها صندوق النقد إلغاء التعرفة الجمركية على المواد الغذائية المستوردة مقابل الحصول على قروض، فغرقت أسواقها بمنتجات زراعية أجنبية، لتخسر هذه الدول منتجاتها الزراعية المحلية وبالتالي موردها المالي، وتضطر إلى استيراد المنتجات الزراعية، ففقدت أمنها الغذائي كأحد مقومات الأمن القومي، وعجزت عن الوفاء بالتزاماتها المالية، ليفرض الصندوق شروطاً جديدة أكثر قسوة عليها، ومنعها من استثمار مواردها بالشكل الصحيح، لتسمح للشركات الأجنبية بالاستحواذ على شركات الدول المتعثرة والسيطرة على أسواقها ومواردها الطبيعية.
وقس على ذلك دولا كثيرة مرت بالسيناريو القاتل نفسه، مثل البيرو، إحدى ضحايا صندوق النقد الدولي، التي كانت منتجة رئيسة للقمح، وبشروط الصندوق المجحفة أصبحت تستورد القمح من الولايات المتحدة الأميركية، فاضطر مزارعو القمح البيروفيين إلى زراعة المواد المخدرة بدلاً من زراعة القمح، لتصبح مصدراً رئيساً للمخدرات في العالم، وكذلك الأرجنتين التي كان نموها الاقتصادي من أعلى المستويات في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها وقعت ضحية لفساد رجال السياسة ففسد الاقتصاد وتدخل الصندوق، فأفلست الشركات والبنوك وارتفعت نسبة البطالة وانهار الدخل، فباعت الحكومة غالبية مؤسساتها لشركات أجنبية لسداد قروضها الخارجية، وكانت النهاية إعلان الأرجنتين إفلاسها.
وهناك مئات القصص المأساوية في إفريقيا مع الصندوق، الذي استنزف مواردها الطبيعية لتكون تحت رحمة الدول الكبرى، ولكن ما علاقة صندوق النقد الدولي بالكويت وبأوضاعنا المحلية، خصوصاً أن الكويت ليست بحاجة إلى قروض خارجية؟ يبدو أن للصندوق فرعا في الكويت أو أن له وكيلا محليا يقوم بتنفيذ أجنداته الفاشلة بعرقلة محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي في أي قطاع زراعي أو حيواني أو مائي، فالهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية أنشئت في بداية الثمانينيات لتوسيع المساحات الزراعية واستصلاحها وتطوير وتنمية الثروة السمكية وحمايتها، بما يحقق استغلال الإمكانات لزيادة الإنتاج، ولكن هل تحقق أي شيء من هذا القبيل بعد التحرير؟
ما إن تحررت البلاد من براثن الصداميين حتى كان غزوا آخر لبلادنا من خلال تجنيس عشوائي وعبث كويتي صرف بقانون الجنسية، فتكاثر بيننا المجنسون والمزورون والمزدوجون، وهم مجموعة «مخاريش طاحوا بكروش»، الذين لم يترددوا عن تطبيق ميداني حرفي لمبدأ «مال عمك لا يهمك»، ولمَ لا والكويتيون هم الذين تركوا «المال السايب لتعليم القادمين الجدد السرقة»؟ فهؤلاء تسلموا وثائق الجنسية بالتزوير وتشريعات خالفت الدستور، ولهذا فهم يعرفون أنه لابد أن يأتي يوم أسود عليهم لإعادة الحق إلى نصابه من خلال سحب الجناسي أو فقدها، فتسابقوا مع الزمن للعبث بمقدرات البلد أينما وجدوا، وكلما سنحت لهم الفرصة وقبل فوات الأوان، من خلال شفط المال العام بالاستيلاء على مناصب حساسة وقروض السكن وقروض الزواج وعلاوات الأولاد ومعاشات المطلقات والأرامل وبدل السكن وغيرها من وسائل لم تكن مشروعة لهم.
ومن قنوات التدمير كانت هيئة الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، وبدلاً من تحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعة والأسماك والماشية، وجدنا أنفسنا بعد أكثر من أربعة عقود نستورد غالبية احتياجاتنا الزراعية والحيوانية والسمكية من الخارج، أليس هذا بفعل فاعل وكأن صندوق النقد الدولي قد فتح فرعا له في الكويت؟