اختيار أعضاء الحكومة يشكل دائما مشروع أزمة، لأنه يتم على قاعدة الاسترضاء السياسي في غياب المعايير الصارمة والعلمية للاختيار، فتتسرب شخصيات ضعيفة، وأحيانا غير أمينة، وتتعطل بسببها مصالح البلاد والعباد.
ودستور الكويت وضع الأساس والأداة العلمية الناجعة لهذا المأزم حين نص في المادة (98) على أن: «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج»، ومع هذا الوضوح تم إهمال هذه المادة منذ فجر الحياة البرلمانية، وأصبحت جنينا ميتاً في بطن الدستور.
هذه المادة تتفجر بالجديَّة، إذ تنص كما سبق على أن تتقدم كل وزارة، والقصد هنا الحكومة، ببرنامج عملها فور تشكيلها، وقد فصلنا القول في مقالاتنا السابقة بأن المفهوم والمنطوق واضح أنه يعني ما يقول، إذ ليس هناك بلاغة بل تتلامح منه صرامة واضحة لا لبس فيها بوجوب أن تتقدم الحكومة، ولم يقل تضع، بل تتقدم فور تشكيلها ببرنامج عملها، وهذا يدل دلالة غاية في التحديد بأن برنامج العمل قد سبق تشكيل الحكومة، وأنها في الأصل اختيرت برئيسها وأعضائها بناء على برنامج العمل.
والسؤال: من يضع برنامج العمل؟
والجواب: منظمات المجتمع المدني والكتل السياسية والنشطاء في مختلف الحقول، هؤلاء يشكلون الرحم والوعاء الحيوي لولادة برنامج العمل، وتتلقاه القيادة السياسية ليأخذ بلورته النهائية، ويكون هو المحدد لاختيار الحكومة.
ونظراً لعدم وجود تطبيق للمادة (98) الخاصة ببرنامج العمل منذ فجر الحياة الدستورية والبرلمانية، ولتأسيس بداية صلبة لهذا الأمر العظيم، أقترح أن يجتمع أمثال وزير الإسكان الأسبق المهندس بدر الحميدي والدكتور وزير الإسكان الأسبق عادل الصبيح، والدكتور ناصر المصري، والاقتصادي القدير الأستاذ جاسم السعدون، والوزير الأسبق لوزارة التجارة فيصل المدلج، ورئيس الأمة السابق والرمز أحمد السعدون، ومن في مستواهم من القيادات الشبابية الواعدة ممن قدموا مشاريع ورُؤى لوضع برنامج عمل حكومي بمعايير كمية وزمنية محددة ينحصر في هذه المرحلة في القضايا التي تعالج قواعد وإجراءات خصخصة كل القطاعات الإنتاجية التي تتولاها الحكومة (القطاع العام) من كهرباء وماء وتعليم وصحة وموانئ ومواصلات واتصالات ثابتة، وبريد ومطار وبعض الصناعات النفطية، ووضع نظام للضريبة، ونظام التأمين الصحي، وتسديد رسوم الدراسة لكل المراحل التعليمية، ودراسة وتقييم المشاريع الاستثمارية التي تحقق تنويع مصادر الدخل ومشروع توزيع نسبة من صافي أرباح الاستثمارات في الصناديق السيادية سنويا على المواطنين، وتحديد نمط توزيع الدعوم، وسياسات تعديل التركيبة السكانية، وفرض تكويت الوظائف في القطاع الخاص، وحل مشكلة الإسكان وفق أحدث التطورات في عالم البناء والتمويل، كما في النمط السعودي، وبما يحقق سرعة الإنجاز، ووضع سياسات وإجراءات ونُظم متطورة تقضي على حوادث المرور القاتلة، والحد من الجريمة بكل أشكالها.
يقدم برنامج عمل الحكومة المقترح للقيادة السياسية ورئيس الحكومة لاختيار أعضاء الحكومة على مقاس برنامج العمل، وبهذا تتحدد اختياراتنا السياسية وفق أرشد الأسس، فنصل إلى رتق الشق في شراع سفينة المجتمع المتوقفة منذ عقود لتندفع نحو الإنجاز والتقدم دون أن تلعب بها رياح الصراعات والمصالح المتصافعة.