البروتستانتية والعقيدة الصهيونية
تعتبر فلسفة اللاهوت البروتستانتي القائمة على التفسير الحرفي للتوراة الأساس الديني الذي انطلقت منه الأيديولوجية الصهيونية غير اليهودية- أي التي لم يكن لليهود نصيب فيها- لتشكل جزءاً أساسيا وحيويا للثقافة الدينية والفكرية والسياسية لشعوب أوروبا الغربية والشعب الأميركي منذ نشأته عام 1776م.
فهم مقومات المذهب الديني البروتستانتي كلمة السر ومفتاح معرفة السبب الرئيس الحقيقي للمساندة الدائمة والفعالة من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين لتأييد ومساندة كيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين وبكل المجالات والسبل، بل رهن بقائها ببقاء هذه الدول الكبرى!
انطلقت البروتستانتية مع حركة الإصلاح الديني على يد مؤسسها «مارتن لوثر» الذي لم يجد بداً من الوقوف معارضا في وجه الكنيسة الكاثوليكية سوى حفنة من اليهود ذوي الثراء والنفوذ يستقوى بهم ضد الكنيسة، ومما دعاه لإعادة الاعتبار لليهود نكاية بالسلطة البابوية التي أهدرت دمه بعد أن اتهمته بالهرطقة، فمال مارتن لوثر لليهود بعنصرية وتمييز عرقي فألف كتابه (عيسى ولد يهودياً) عام 1523م، قال فيه: «إن اليهود أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء».
أطلق مارتن لوثر عقيدة الإيمان العميق بضرورة وجود اليهود في هذا العالم تمهيداً لعودة المسيح معتمداً على التوراة العبرية في تفسير الكتاب المقدس، مع إيمانه بحرفية نبوءات التوراة وحتمية وقوعها، وأولها نبوءة أحقية عودة اليهود لأرض فلسطين مكوثاً دائماً بها حتى يظهر المسيح ويحكم العالم لألف عام سعيد حسب النبوءة التوراتية.
جريرة البروتستانت ربطهم بين الأرض وأهل الكتاب، فاعتبروا فلسطين أرضا تاريخية لليهود، وأن اليهود هم الفلسطينيون الحقيقيون المشردون والمشتتون الذين من الواجب دينيا وتحقيقا للنبوءات التلمودية مساعدتهم لاسترجاع أرضهم من ساكنيها.
تجذرت التعاليم البروتستانتية في الدول الأوروبية خاصة بعد ترجمة التوراة من اللغة العبرية، والمصيبة أنها أضحت جزءاً راسخاً في الثقافة الأوروبية والأميركية لاحقاً، حيث وغلت وتمددت في الفلسفة والفنون والآداب والحياة الاجتماعية لتشكل بالتالي ظاهرة خطيرة- بالنسبة لنا- وهي الظاهرة الصهيونية غير اليهودية، فالسواد الأعظم من اليهود آنذاك لم يكونوا يطالبون بالعودة إلى أرض صهيون/ فلسطين، بسبب التباين فيما بينهم في تأويل النبوءات التوراتية.
الحروب في أوروبا ومنها حرب الـ30 عاماً نشطت الأفكار والعقائد البروتستانتية وبالذات المتعلقة بالتبشير للعصر الألفي السعيد بعد بعث المسيح، وبدأ الأوروبيون يفضلون أنبياء اليهود على أبطال اليونان القدامى، وشارك فلاسفة وعباقرة مثل جون لوك وإسحق نيوتن، وكانت في كتبهم، في مناصرة قضية عودة اليهود لفلسطين، يقول جون لوك واضع النظرية السياسية الليبرالية: «إن الله قادر على جمع اليهود في كيان واحد»، أما اسحق نيوتن في كتابه (ملاحظات حول نبوءة دانيال) فيقول: «اليهود سيعودون لوطنهم، لا أدري كيف سيتم ذلك ولنترك الزمن يفسره»، ويضيف جان جاك روسو قائلاً:
«لن نعرف الدوافع الداخلية لليهود أبداً، حتى تكون لهم دولتهم الحرة ومدارسهم وجامعاتهم».
لقد كانت النظرة البروتستانتية الأوروبية والأميركية ترى أن أرض فلسطين بلا شعب، وأن من يسكنها هم بقايا أجناس تاهت في الأرض المقدسة.
نخلص إلى أن البروتستانتية حركة إحياء ديني، بدل أن تصلح النظام الكنيسي البابوي توجهت للعهد القديم (التوراة) تستمد منه أخلاقياتها وتوجهاتها كمبادئ لها، ومن الأساطير نماذج لتاريخها المعاصر، ومن أنبيائها قدوات، ومن نبوءاتها التوراتية أهدافاً سياسية وخططاً عسكرية استعمارية مشروعة لديها.