الفيلي: الوزير مختص خلال فترة تصريف العاجل من الأمور بإحالة المسؤول إلى التحقيق
في دراسة خص بها «الجريدة•» حول رأي إدارة الفتوى بشأن قرار وزير الشباب إحالة مدير «الرياضة» للتحقيق
حكومة تصريف العاجل من الأمور هي ابتداءً حكومة، وهذا يعني أنها تمارس كل الاختصاصات المنوطة بالحكومة، ولكن الوصف اللاحق بها وهو تصريف العاجل من الأمور يقود منطقياً لحصر اختصاصاتها في هذا الإطار. هل العاجل من الأمور يعني تصريف الأمور المعتادة، وهو تعبير تستخدمه بعض الدساتير، مثل الدستور الفرنسي؟ أم أن العاجل يتضمن الأمور المعتادة، وينصرف لما زاد عنها إن كان عاجلاً؟ أم أن العبارة تضيق عن نطاق الأمور المعتادة، فيصبح معناها العاجل فقط من الأمور المعتادة؟
وتحديد نطاق العاجل من الأمور زادت أهميته في الكويت، نتيجة استقالة الحكومة أثناء الفصل التشريعي وامتداد فترة تشكيل الحكومة الجديدة لفترات قد تصل إلى شهرين، أو بسبب تأجيل اجتماع مجلس الأمة قبل تشكيل الحكومة، وفي كل هذه الفترات ينعقد الاختصاص بالقيام بوظائف الحكومة لحكومة تصريف العاجل من الأمور.
لا يجوز إثارة المسؤولية السياسية للوزير خلال استقالة الحكومة
قلّة الأدبيات القانونية التي تقدّم نموذجاً تطبيقياً يحدد مفهوم العاجل من الأمور تجعل رأي إدارة الفتوى والتشريع في تحديد اختصاص الحكومة بإدارة المرافق العامة خلال فترة تصريف العاجل من الأمور غاية في الأهمية، ويمكن أن يشكّل سابقة يقاس عليها، فهو صادر عن المستشار القانوني للحكومة.
وقد يكون من الملائم لحُسن فهم الموضوع عرض وقائع طلب الرأي المقدم من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء إلى إدارة الفتوى والتشريع، ثم من بعد ذلك لعرض عدد من الملاحظات بشأن الموضوع.
أولاً: الوقائع
بناء على طلب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، وكان محله كما ورد في خطاب إدارة الفتوى والتشريع الصادر في 21 الجاري، والمتداول في وسائل التواصل
«طلب الإفادة بالرأي حول ما اذا كان القرار الصادر من وزير الدولة لشؤون الشباب المكلف بتصريف العاجل من الأمور بإيقاف مدير الهيئة العامة للرياضة عن العمل وإحالته للتحقيق بدعوى تقاعسه عن أداء مهام عدة يُعد من الأعمال العاجلة، ومن شؤون المنصب التي يستمر في تصريفها الوزير لحين تعيين خلف له».
في سبيل الخلوص لرأي في الموضوع، عرضت الإدارة للأحكام والمبادئ الدستورية ذات الصلة بحكومة تصريف العاجل من الأمور.
ولم تفرّق بين الأحكام الخاصة بالإدارة المركزية والإدارة اللامركزية مع أن الرأي يتصل بإدارة لا مركزية منشأة بقانون. ولعلها في ذلك تعتبر أن الأحكام الخاصة بهيئة الرياضة تتماثل مع الأحكام الواردة في قانون الخدمة المدنية، لأن قانون إنشاء الهيئة لم يقرر أحكاماً خاصة تنظم علاقة المدير العام بالوزير. وقد خلصت الإدارة الى استنتاج «أن تفسير عبارة تصريف العاجل من الأمور ينصرف إلى اتخاذ أحد أمرين»:
هناك فرق بين المفتي والقاضي الذي يملك وفق القانون إنزال الأحكام على الوقائع ويقدّرها
- القرارات التي تفرضها حالة الضرورة دون أن يكون بالإمكان معها الانتظار لحين تكوين حكومة جديدة تتمتع بثقة البرلمان فيها وإصدار هذه القرارات.
- القرارات التي ترتبط بسير المرافق العامة بانتظام واطّراد، وهي تلك القرارات التي لا يكون لها بُعد أو معنى سياسي، والتي لا يمكن بطبيعتها أن تثير المسؤولية السياسية للحكومة تجاه مجلس الأمة، ولا يكون لحالة الضرورة أو الاستعجال علاقة بها.
وبعد عرض المبادئ الحاكمة للموضوع، خلصت الى أن الأصل هو أن اختصاص الوزير في هذه الفترة يشمل الإحالة للتحقيق، كما ورد في القوانين والنظم ذات الصلة، لكن الطبيعة الخاصة للموضوع محل طلب الرأي تجعل من المحتمل أن يكون موضوعاً لإثارة المسؤولية السياسية، وهو أمر غير ممكن، لأن إثارة المسؤولية السياسية لوزير تصريف العاجل غير ممكنة دستورياً، فهو مستقيل مع بقية الوزراء.
ويمكن أن يستنتج المراقب ربطاً بالمقدمة المنهجية لإدارة الفتوى أنه لا يجوز للوزير أن يتخذ القرار ما دام لا يمكن لمجلس الأمة تحريك المسؤولية السياسية التي يملك في الأحوال العادية تحريكها في مواجهة الوزير أو رئيس مجلس الوزراء. وترى الإدارة أن المخالفات المنسوبة لا تؤثر أن صحت على السير المنتظم للهيئة، كما أنها لا تدخل في الاختصاص المباشر للمدير العام.
والتحليل السابق قاد الإدارة إلى تقرير أن القرار الصادر عن الوزير يخرج عن دائرة اختصاصه في فترة تصريف العاجل من الأمور.
وقد أحال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الرأي للوزير المعني «للتفضل بالاطلاع واتخاذ ما يلزم في هذا الشأن».
أسلوب طلب الرأي ومنهجية الوصول لتكوينه يمكن أن يكون محلاً للتأمل والتفكير ربطاً بطبيعة اختصاصات حكومة تصريف العاجل من الأمور وأسلوب الرقابة عليها.
ثانياً: الملاحظات
1 - علاقة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بالموضوع: ممارسة الاختصاص محل البحث معقود لوزير الدولة لشؤون الشباب، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء لا يشرف على أعمال الوزارات.
نعم من الممكن أن يسمح حكم المادة 127 لرئيس مجلس الوزراء بمتابعة مثل هذا الأمر من باب التنسيق بين أعمال الوزارات. هل نحن هنا بصدد القيام بدور نائب رئيس مجلس الوزراء؟ أظن أننا بصدد موضوع دقيق، فالأصل أن اختصاص النائب مرتبط بغياب صاحب الاختصاص.
من المرجح أن يكون القرار محلاً للمسؤولية السياسية... وهذا ليس من اختصاص جهة قانونية بل يدخل في إطار المواءمات السياسية
هل كان رئيس مجلس الوزراء غائباً أم نحن بصدد تفويض؟ إن كنا بصدد تفويض ما هو أساسه القانوني، علماً بأن الاختصاص مقرر في الدستور وليس أساسه قانون؟
2 – نطاق العاجل من الأمور وعلاقته بالأمور المعتادة: صيغة الرأي المقدم من إدارة الفتوى تسمح بالقول إن هناك أساسين محتملين له، أحدهما يجزي:
إما ما هو عاجل لا يحتمل التأخير، أو ما هو مما يدخل في اطار اختصاصات الحكومة في الأحوال العادية، بشرط ألا يكون بطبيعته محلاً للمسؤولية السياسية. وهذا يعني أن نطاق العاجل من الأمور يشمل ما هو لا يحتمل التأخير، ويتضمن أيضاً السير المعتاد للمرافق العامة ما دام ليس محلاً متوقعاً للمسؤولية السياسية.
3- علاقة نطاق الاختصاص بالمسؤولية السياسية: ربط مفهوم العاجل بالمسؤولية السياسية المحتملة أمر يحتاج إلى تدبّر، فكل قرارات الوزير من المتصور أن تشكّل أساساً للمسؤولية السياسية، هذا من حيث المبدأ.
إذا يلزم القول بأنه في هذه الواقعة بالذات من المرجح أن يكون القرار محلاً للمسؤولية السياسية. وهذا البحث والتقرير ليس من اختصاص جهة قانونية، فهو يدخل في إطار المواءمات السياسية.
وكان يحسن بالإدارة أن تقول إن نشاط الوزير يمكن أن يكون محلاً للمسؤولية السياسية في الأحوال الاعتيادية، فإذا كان القرار من المرجح أن يكون، نتيجة خطورته، محلاً للمسؤولية السياسية، فترى الإدارة عدم ملاءمته، وليس عدم جواز إصداره.
4 - لم تبحث الإدارة في قانون إنشاء هيئة الرياضة، من حيث طبيعة علاقة الوزير بالمدير، وطبيعة اختصاص مجلس إدارة الهيئة، وهذا مبحث اساسي في الموضوع، فمنطق المادة 133 من الدستور يجعل الأصل استقلال الهيئة ما دامت أنشئت بقانون. وقانون إنشائها هو الذي يحدد نطاق السلطة الوصائية.
5 – ثقة البرلمان بالحكومة وفق الدستور الكويتي: عبارة حصول الوزارة على ثقة البرلمان، فقد تم استخدامها دون الوقوف عند خصوصية، موقف الدستور الكويتي من هذا الموضوع. فالدستور الكويتي يفترض حصول الحكومة على ثقة البرلمان ربطاً بثقة الأمير بها، ولذلك لا يجعل برنامجها محلاً للتصويت عند تقديمه للبرلمان، بخلاف أحكام النظام البرلماني التقليدي. وإذا كانت الثقة بها مفترضة عند تشكيلها، فإن البرلمان من بعد ممارستها لاختصاصاتها يستطيع أن ينزع عنها الثقة.
6 - منهجية الاجتهاد: هذا الاجتهاد ليس له أساس مباشر في أحكام القضاء الكويتي، ولا بأس بذلك، بل هو أمر يحسب للإدارة، لأنها بذلت جهداً في الاستنباط والاستخلاص.
وهذا الاجتهاد يقود واقعياً لتقليص اختصاصات حكومة العاجل من الأمور، وهو أمر يميل له الفقه ربطاً بالطبيعة الاستثنائية لاختصاصات حكومة تصريف العاجل من الأمور. فكل اختصاصات الحكومة من الناحية النظرية يمكن أن تكون محلاً للمسؤولية السياسية. ولكن في ظني هناك إشكالية في المنهجية تستحق التأمل. إدارة الفتوى تتكلم قانونيا أم مواءمة سياسية؟ ولا بأس أن تتكلم مواءمة سياسية، باعتبارها من عناصر الواقع التي يتم إنزال حكم القانون عليها. لكن يجب من الناحية الفنية أن تقول للمستفتي إنها بصدد بحث المواءمة، باعتبار أن تقدير المواءمات من اختصاص المستفتي وليس المفتي أو صاحب الرأي، فهو أقرب للمستشار الذي يشير ولا يلزم.
نتمنى عرض الموضوع على القضاء لأننا سنكون أمام قرار قانوني ملزم ويحسم النزاع
وفي هذا الصدد، هناك فرق بين المفتي والقاضي، فالقاضي هو الذي يملك وفق القانون انزال الأحكام على الوقائع، وفي هذا الإطار يقدّر الوقائع. هي بهذا المنهج البست الواءمة ثوب القانون.
7 - التقرير في مسؤولية مدير هيئة الرياضة: الفتوى تخلص لعدم المسؤولية المباشرة لرئيس الهيئة العامة للرياضة، ربطاً بالوقائع المنسوبة له، وهو استنتاج سائغ لو تم الخلوص له بعد بحث الأحكام المقررة لاختصاصاته، كما وردت في القانون 97/ 2015 بشأن إنشاء الهيئة.
كما أن الإدارة تقرر أن الوقائع المنسوبة للمدير العام لا تؤثر على السير المعتاد للهيئة، وهو حكم جائز بعد عرض اختصاصات الهيئة كما وردت في قانون إنشائها. والخلوص إلى الرأي الخاص بتقدير عدم وجود مخالفات مباشرة أو عدم وجود أثر خطير على سير المرفق العام، يجعلنا أمام حكم بلا سند، وكان الأفضل الوصول لهذه النتائج بعد عرض الوقائع ربطاً بأحكام القانون.
ومن بعد عرض الملاحظات الأولية في الموضوع يمكن أن ننتهي أيضاً لتسجيل عدد من النقاط.
- إن اجتهاد إدارة الفتوى والتشريع في هذا الموضوع مهم جداً، وهو لبنة في بناء يمكن أن تكون منطلقاً يبنى عليه، ولعل الملاحظات التي تم ذكرها تسهم في زيادة التأمل في الموضوع بما يسمح بتعميق البحث فيه.
- كان بودّ الكاتب أن يعرض هذا الموضوع على القضاء، لأننا سنكون أمام قرار قانوني ملزم ويحسم النزاع، وليس كما الرأي أو الفتوى فهو ملزم أدبياً للمستفتي أو من طلب الرأي، بل قد يكون الحكم القضائي سابقة قانونية مفيدة للإدارة الحكومية وللفقه في المقبل من الأيام.