کتاب ليوسف الإبراهيم يروي محطات من تجاربه في العمل الوطني والسياسي
«سيرة في بناء الوطن... آمال وتطلعات»
• دعوة إلى حوار وطني جامع تتوافر فيه الثقة بتوافقات مسبقة على قضايا خلافية
• الاستجواب تحوّل إلى حرب على الوزير بشخصه للإطاحة به
مثلت تجربة الاستجواب علامة فارقة في مسار عملي المهني، حيث كانت تجربة ثرية في التعرف على دهاليز السياسة وتلون بعض لاعبيها، وتغيير الأدوار والمواقف وحياكة المؤمرات في غرف مغلقة مع الترهيب والترغيب وتغليب المصالح والمنافع الخاصة، وكذلك تضليل الحقيقة بشعارات، ودغدغة مشاعر الناس، وخلق أجواء للعداء والتطرف بينها. كما صاحب هذا الاستجواب ظروف سياسية على مستوى ترتيبات نظام الحكم من جانب، وخلافات ونزاعات سياسية بين القوى السياسية وتشكيل تكتلات سياسية جديدة من جانب آخر، ومحاولات البعض منها التأثير على تلك الترتيبات.
وقد رأيت أن أفرد فصلاً لهذه التجربة، التي أطلقت عليها بعض وسائل الإعلام «الاستجواب التاريخي» وتابعته وسائل الإعلام العالمية، بهدف توثيق تلك التجربة وسرد بعض المواقف والأحداث التي واكبت هذا الاستجواب، آملاً الاستفادة من هذه التجربة بمحاسنها وعيوبها في مسيرة العمل البرلماني والحكومي لتكون الديموقراطية هي القاطرة التي تحقق آمال وتطلعات هذا الوطن الغالي.
الترغيب والترهيب
ورغم خلفيتي العلمية والأكاديمية في الشأن الاقتصادي والمالي، وتجربتي القصيرة في العمل السياسي الحكومي في ذلك الوقت، فإنني ذهلت من الحجم الهائل من التشابكات والتداخل في المصالح المادية والاقتصادية بين بعض الأطراف التي تغلّب مصالحها الخاصة على مصلحة الوطن أو رفاهية الشعب ومستقبله.
وكيف يبرز الوجه الآخر لبعضهم عندما تبدأ بإصلاح أو تغيير يمسّ حدود أو أطراف مصالحهم، حيث تبدأ تكشر عن أنياب الابتزاز المختفية خلف ابتسامة صفراء أو تنهمر دموع التباكي على المال العام وجيب المواطنين، وكيف يتم استخدام أساليب مختلفة وعديدة تبدأ بالترغيب للدخول في شرنقة المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة، وتتطور إلى الابتزاز الإعلامي واستخدام أدوات حتى من داخل مجلس الأمة لكي تخلق الأجواء المعادية لأي إصلاح منشود يتعارض مع مصالحها الخاصة.
حياكة المؤامرات في الغرف المغلقة مع الترهيب والترغيب وممارسة التضليل بشعارات زائفة
ورغم إيماني بمشروعية المساءلة السياسية من خلال السؤال والاستجواب وأهميته في تعزيز الرقابة الشعبية، فإنه في السنوات الأخيرة قد تحول الهدف من بعض الاستجوابات إلى حرب على الوزير بشخصه لإطاحته، وليس لمادة الاستجواب نفسها، وليس لعلاج خلل أو تصويب مسار. وأصبحت بعض الاستجوابات مصدر غنائم سياسية ومالية للبعض، وأداة لأطراف من داخل المجلس وخارجه لتحقيق مصالحها.
كما صار الاصطفاف بين جانبي الاستجواب قائمًا ومسبقًا قبل الاستماع إلى الردود، وتحول الاستجواب، مع الأسف، من أداة رقابة وإصلاح إلى هدف لتحقيق مصالح شخصية أو مخالفة للقانون، خاصة إذا استند على معلومات وأدلة مغلوطة أو مبتورة مصدرها غالبًا أقلية من العاملين داخل الوزارة المعنية، والذين بينهم وبين الوزير المستهدف خلافات أو تضارب مصالح نتيجة لانتماءات سياسية أو طائفية أو قبلية، أو شراء البعض منهم مقابل عائد مادي.
دغدغة الجماهير
لا يستطيع أحد أن ينكر أن استجواب وزير المالية المؤتمن على خزائن الدولة وأموال الشعب لهي مسألة حساسة لأي إنسان، فقد أصبح أداة سهلة لجذب الجماهير ودغدغة مشاعرهم حتى ولو كان مزيفًا أو من أجل الدعاية السياسية فقط. فبمجرد تداول معلومات ملفّقة حول حدوث سرقات هنا أو تجاوزات هناك يصبح الجميع متربصًا ومتسلطًا على موضع الاتهام.
الإسلام السياسي كان يتربص بي منذ كنت وزيراً للتربية والتعليم
كما باتت مهاجمة وزير المالية من الوسائل المحببة لدى بعض نواب المصالح الخاصة أو التيارات السياسية، في محاولة للتكسب الشعبوي وزيادة أرصدتهم لدى الناخبين في دوائرهم أو ضرب التيارات السياسية الأخرى. لذلك كلما أراد أحدهم الفوز بلقب «بطل شعبي» تراه منقضًا على وزير المالية بحكم تشعب مسؤولياته والعدد الضخم من المؤسسات التابعة له والتي لا يقل عددها عن 9 جهات مهمة وحساسة، وهو ما يشبه رمي سهم على حائط طوله 100 متر، وبالتالي فسوف يصيب السهم الحائط لا محالة. ومن تلك المؤسسات على سبيل المثال، الخطوط الجوية الكويتية، والجمارك، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، وبنك التسليف، والهيئة العامة للاستثمار، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، والبنك المركزي، والمساهمات في المؤسسات الدولية والإقليمية، إضافة إلى وزارة المالية، وغيرها من الجهات.
كما أن بعض النواب يعتبرون الاستجواب ملجأهم للفرار من مواجهة الشعب، فحين يفشلون في تحقيق مصالح كبيرة سواء لأنفسهم أو لمؤيديهم يلجؤون إلى الاستجوابات لصرف الأنظار عنهم وتسليطها على معارك مفتعلة، وفي حالتي فقد كان وجودي على رأس وزارة المالية يشكل إزعاجًا سياسيًا مستعصيًا، وضد مصالح البعض من المنتفعين من الفساد والمتضررين من الإصلاح.
خضْتُ التجربة حتى نهايتها
كان تربص التيار الإسلامي السياسي بي منذ أن كنت وزيرًا للتربية والتعليم، حتى إن الشيخ صباح الأحمد الصباح (رحمه الله) تحدث معي صراحة بهذا الأمر في منزله بدار سلوى القديمة، وأخبرني بقرب إجراء تعديل وزاري (كما ذكرت سابقًا) ورغبته في أن يشملني هذا التغيير، وأن أتحمل مهام وزارة المالية، كنوع من فك التشابك، بعد أن ظهر رفض تيارات الإسلام السياسي استمراري على رأس هرم التعليم، وقالها لي صراحة بعدم تقبل التيارات الإسلامية لي وزيرًا للتربية، في محاولة لتجنيبي التصادم معهم.
مبادرات التغيير والتطوير في مجال التنمية واجهت عراقيل عديدة
وبالفعل تم تعيين الدكتور مساعد الهارون ليكون وزير التربية والتعليم العالي، والذي يشاطرني التطلعات والتوجهات التربوية والأكاديمية، كما يتميز بخبرته الطويلة في العمل كوكيل للتعليم العالي وعميد شؤون الطلبة، ورئيس المكتب الثقافي في واشنطن، علاوة على دماثة خلقه وحسن معاملته. ورغم كل ذلك لم يسلم أيضًا من الاستجواب.
إعدام سياسي
رغم ذلك فقد بادرت بالإصلاحات والعمل علي عدة ملفات منذ اليوم الأول تحملًا لمسؤولياتي، وربما لأني كنت أعلم أيضًا أن الحرب لن تمهلني. وبعد أسابيع قليلة تأكدت من ذلك من خلال سيل من الأسئلة والتصريحات والتهديدات والتشكيك. حينها اتضح لي أنها حملة منظمة ركزت على مهاجمة الأولويات التي بدأت العمل بها بحجة حماية المال العام وعدم المساس بجيب المواطن.
كان طبيعيًا أن تثير هذه الإصلاحات والمبادرات مخاوف المنتفعين من الوضع القائم المفيد لهم، كما وجدها البعض فرصة للهجوم، ولذلك بادروا وفي أسرع وقت بإعلان الحرب السياسية ضد منهجي في العمل. ومن المؤسف أن بعضهم قد بدأ بالتلميح للاستجواب بفترة قصيرة من تسلمي المنصب الوزاري، وهي الفترة التي تلقيت خلالها 375 سؤالًا خلال سنة، وأجبت منها عن 338 سؤالًا أي أكثر من 90%، كما تم تداول مسودة استجواب على مرسوم بقانون لم يعرض بعد على مجلس الأمة!! حتى تاريخ تقديم الاستجواب بتاريخ 26 مايو 2002.
هناك استجوابات صارت مصدر غنائم سياسية ومالية للبعض وأداة لأطراف داخل المجلس وخارجه لتحقيق مصالحهم
وقبل بضعة أيام من جلسة الاستجواب تلقيت 23 سؤالًا جديدًا، فكل الأدلة أثبتت أن النية مبيتة منذ توليّ منصبي الجديد لحرب سياسية ضدي، والأدلة كثيرة من تصريحات بعض النواب.
فعلى سبيل المثال وقبل فترة من تقديم الاستجواب، وكان ذلك تحديدًا بتاريخ 13 أبريل 2000، أعلن النائب مبارك صنيدح في ندوة عامة أنه تم «صدور حكم الإعدام السياسي على يوسف الإبراهيم كوزير للمالية، ونصحني بالاستقالة قبل أن أصعد إلى المقصلة، خاصة أن المحاور قد استكملت وأن طرح الثقة بي قد وصل إلى العدد المطلوب» على حد زعمه. وهو ما يكشف أن العمل ضدي كان منظمًا وجرى الإعداد له بين كتلتين نيابيتين هما كتلة العمل الشعبي وكتلة الإخوان المسلمين ومعهم بعض من أعضاء التيار الاسلامي السلفي.
الإعلام
اتخذت صحيفة الوطن، منذ بداية التلميح بالاستجواب، موقفًا سلبيا ضدي، بشكل شبه يومي، حيث بدأت هذه الآلة الإعلامية بالهجوم عليّ ومحاولة إثارة الشارع من قبل كتّابها الذين منهم فؤاد الهاشم ومحمد عبدالقادر الجاسم، مما اضطرني إلى اللجوء للمحاكم، وقد كسبت ضدهم مجموعة من القضايا، واستمر هذا الهجوم إلى يوم جلسة التصويت وإلى ما بعدها في تسخين الأجواء وإثارة الشارع بعناوين عريضة.
كان المشهد السياسي ساحة للتصفيات بين أطراف عديدة، فعلى مستوى المؤسسات التي تقع تحت مسؤوليتي كانت بعض القيادات قد بدأت تستشعر الإصلاحات القادمة، مما يهدد مراكزهم ومصالحهم. كما بدأت بعض الأطراف الفاسدة التي تتعاون معهم بتحريك كل ما هو متاح لديهم من أدوات لضربي، كما شملت أطرافا من الأسرة الحاكمة التي لا ترغب في أن يستمر الشيخ صباح الأحمد (يرحمه الله) في تولّي قيادة الحكومة، ومن ثم سدّة الحكم.
كما لم يسلم النواب المؤيدون لي من الهجوم المستمر والضغط عليهم، فعلى سبيل المثال بدأت صحيفة الوطن بتبنّي ونشر الإشاعات والأكاذيب ضد النائبين الأخ أحمد الدعيج والأخ سعد طامي، والهجوم المستمر عليهما، وعن شرائهما من قبل الحكومة والتهكم الشخصي عليهما. كما حاولت أن تبرز أن هذا الاستجواب بين القبائل والحضر في محاولة لإحداث تصدّع وفتنة في نسيج الوطن، ومع الأسف فقد نجحوا في تقسيم المجتمع، كما تم الضغط على بعض النواب بالتهديد أو الترغيب للإدلاء بتصريحات ضدي وتغيير مواقفهم بالتصويت، وأذكر على سبيل المثال النائب مشعان العازمي الذي كان حتى اللحظات الأخيرة ضد الاستجواب، لكنّه في جلسة التصويت صوّت مؤيدًا طرح الثقة لأسباب مازلت أجهلها. وكذلك النائب مبارك الهيفي الذي أخبرني بالامتناع منذ الاستجواب، رغم الضغوط القبلية التي مارسها عليه النائب مبارك الدويلة. وكذلك النائب أحمد الدعيج الذي تعرّض لهجمات شرسة من صحيفة الوطن وكتّابها، وكذلك من بعض قيادات التجمّع السلفي.
تصالح المصالح ومعادن الرجال
قبل جلسة التصويت على الاستجواب، وصلني خبر من أحد الصحافيين بأن رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي (يرحمه الله) يقول إني لا أعامل النواب معاملة جيدة، وربما هذا سبب الموقف السلبي لبعضهم، وقد قام الأخ خالد المشاري بدعوة ممثلي الدائرة الدائرة الانتخابية الثالثة، النائبين جاسم الخرافي (يرحمه الله) والأخ محمد الصقر (في ذلك الوقت كان هناك 25 دائرة انتخابية) في ديوانه وبحضوري، حيث جرت مناقشة بنود الاستجواب وردودي عليها والحوار حول دوافعه وأهدافه، حيث تم الرد على التحفظات التي يثيرها النواب، وإمكانية الحوار معهم من دون تنازلات أو معاملات غير قانونية.
ومن الأمثلة الصارخة على تبدّل المواقف لبعض النواب، أذكر أنه فور خروجي من ديوانية الأخ المشاري، جاءني اتصال هاتفي من النائب حسن جوهر، الذي كان معارضًا منذ البداية لطرح الثقة، وكنت على تواصل مستمر معه، فقد تزاملنا بالتدريس في الجامعة وكنّا أصدقاء منذ فترة طويلة، وأكد ثقته بي ودعمه لي لاقتناعه بموقفي. ولكن هذا الاتصال جاء مغايرًا تمامًا لموقفه المعهود، إذ أخبرني أن ضغوطًا تُمارس عليه لتغيير موقفه من الاستجواب والتصويت ضدّي، قائلًا: «لا أعرف كيف أبدأ كلامي وأنا مقتنع فيك وبردودك، وأنت تعرف علاقتي معك، ولكن مع الأسف أنا مضطر أن أصوّت ضدك، لأن النائبين عدنان عبدالصمد وأحمد السعدون في طريقهما إليّ الآن، ولا أستطيع أن أرفض لهما طلبًا». وكان ردّي عليه: إن القرار قرارك، ولكن تذكّر أن فوقك خالق هو الذي سوف يحاسبك على هذا الأمر، وإذا كنت مقتنعًا بما قلته أمام المجلس وبنظافة اليد، فكيف تسمح لنفسك أن تصوّت ضدي؟ فقال لي: إن هذه هي السياسة والتصويت ينسحب على ذلك.
ومن النواب أيضًا الذين بدّلوا مقاعدهم، بعد وعود مزيفة، النائب مشعان العازمي من الدائرة الانتخابية أم الهيمان، والذي كان يشارك الفريق الحكومي، ويتابع عن كثب عدّ النواب المؤيدين وإمكانية تحقيق العدد المطلوب، حتى إنه لم يكن لديّ أدنى شك في إخلاصه وموقفه المؤيد لي. ما كشف لي بعد ذلك كيف أن القفز من طرف إلى آخر مقابل أموال أو تهديد أو غيرهما من المشاهد التي تتم بسهولة، ومن دون وازع أخلاقي أو حِسّ وطني.
كان المجلس في ذلك الوقت يتكون من 46 نائبًا يحق لهم التصويت (كان هناك 4 نواب تم تعيينهم وزراء) ونحن بحاجة إلى 23 صوتًا على الأقل لنيل ثقة المجلس، وخلال مرحلة تجميع الأسماء وفرز مواقف النواب لجلسة التصويت، لم نتمكن من التواصل مع النائب مبارك الخرينج، الذي كان حينها في السعودية. والذي قرر بعد التواصل معه الامتناع عن التصويت، رغم الضغوط التي تعرّض لها من النواب والقبيلة، وكان يقود تلك الضغوط النائب مبارك الدويلة الذي ينتمي إلى القبيلة نفسها ويتنافس معه في نفس الدائرة الانتخابية.
وبعد جلسة الاستجواب ذهبت إلى مكتب الشيخ صباح الأحمد (يرحمه الله) في وزارة الخارجية، وطلبت أن أراه منفردًا، حيث سألني بداية عن التطورات، فقلت له إن الأمور تسير على ما يرام بعد الجلسة، ولم تتغير المواقف كثيرًا. لكنني أريد أن أخبرك بما لا يعرفه أحد حتى الآن، وأرجو أن يظل سرًا بيننا، وهو أن النائب سيد حسين القلاف يقف في صفّي وداعم لموقفي ومؤمن بنزاهتي، وأنه غير مقتنع ببنود الاستجواب بعد الاستماع لجلسة الاستجواب، فأجابني بأن سيد القلاف عضو في التكتل الشعبي، الذي هو معادٍ لك، ولكنني عاودت التأكيد له وانطلاقًا من علاقتي به على أمانته في دعمه لي، أكدت له موقف القلاف وأمانته في دعمي، وأن الجلسة المقبلة ستكشف المواقف الحقيقية للرجال.
زبدة الكلام والتجربة
خلاصة التجارب التي خاضها لخّصها في 7 صفحات بنهاية الكتاب، نقتطف منها عدداً من الوصايا والنتائج التي انتهى إليها.
حاولت في في صفحات هذا الكتاب أن أسرد من تجربتي الشخصية بعض المحاولات والمبادرات للتغيير والتطوير في مجال التنمية البشرية والاقتصادية من خلال المناصب التي تقلّدتها وعملي الأكاديمي والبحثي، وما تم إنجازه منها، وما صاحبها من ظروف وأوضاع سياسية. ولا أدّعي أنها المحاولات الوحيدة، بل إنني على يقين بأنه قد سبقني العديد ممن تولوا هذه المناصب في محاولات مماثلة، أو ربما محاولات أفضل للتغيير والتطوير في هذه المجالات. كما لا أدّعي لها الكمال، فهناك بالتأكيد وجهات نظر مغايرة لهذه الأفكار والمبادرات.
لقد واجهت العديد من تلك المحاولات صعوبات وعراقيل عديدة، فمنها ما لم يرَ النور بسبب الموقف المعارض لها، أو أنها خرجت مشوهة بإدخال التعديلات عليها داخل مجلس الأمة أو مجلس الوزراء، أو أنها توقفت مع تغيّر الوزير أو المسؤول، أو عجز أجهزة الدولة عن التنفيذ والمتابعة، أو أنها أقرّت بتكلفة سياسية باهظة.
وكان هذا حال مسار التنمية بالبلاد في العقود الأخيرة، وهذا ليس رأيي فقط، بل أعتقد أن هناك اتفاقًا شبه تام بين جميع أطياف المجتمع ومكوناته على أن مشروع التنمية في الكويت قد تعطل منذ الثمانينيات (ربما قبل أو بعد)، رغم كل الخطط المعلنة والدراسات والمبادرات، وأن مسار التنمية الناجح في الستينيات والسبعينيات قد توقّف وربما نفد وقوده من عناصره الأساسية التي كانت تقوده، حيث الأزمات السياسية، وباتت سمة التأزيم السياسي هي السمة السائدة، وأصبحت كل أزمة تلد أزمة أخرى. وتعدد تشكيل الحكومات في فترات قصيرة أغلبها لم يكمل مدتها الدستورية، فقد كانت الحكومات بشكل عام أكثر استقرارًا حتى الثمانينيات. فمنذ صدور الدستور في 11 نوفمبر 1962 تشكلت حتى الآن 43 حكومة، وترأسها 9 رؤساء حكومات (مع الحكومة الانتقالية). 4 حكومات فقط من هذه الحكومات أكملت المدّة الدستورية المحددة بـ 4 سنوات. لكن منذ عام 2006 أُجريت 9 انتخابات، وتم تعيين 4 رؤساء وزراء، وشكلت 22 حكومة.