ملامح مستقبل التحالفات الأميركية

نشر في 29-04-2024
آخر تحديث 28-04-2024 | 18:59
 آسيا تايمز

لم تكن القمة الثنائية للتحالف الأميركي الياباني بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء كيشيدا فوميو محض انطلاق لأكثر من سبعين عنصراً مستهدفاً تشمل التعاون بين الوكالات، والدفاع، والفضاء والتعليم والتكنولوجيا، لكنها أطلقت أيضا تعاوناً ثلاثياً جديداً مع الفلبين، مضيفة المزيد من الشراكات المتعددة الأطراف إلى المعجم الذي يضم حالياً اختصارات من قبيل أوكوس (أي أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) و«الحوار الاستراتيجي الثلاثي» الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، و«الحوار الأمني الرباعي» المعروف بـكواد.

يثير احتمال ضم اليابان إلى المرحلة الثانية من أوكوس (المعروفة بالعمود الثاني Pillar 2) احتمالية أن يشهد الأفق قرب ظهور «كواد» ثان، وتلقى ثلاثية (الولايات المتحدة-اليابان-الفلبين) ترحيبا خاصا في وقت تحاول فيه السفن الصينية تنفيذ استراتيجية خانقة في المنطقة التابعة لمانيلا ببحر الصين الجنوبي.

تأتي إضافة تجمع جديد إلى وفرة قائمة حقا من التجمعات الصغيرة سؤالا حول مستقبل بنيان الأمن في المنطقة، يتمثل النهج الحالي بوضع تجمعات صغيرة قبالة نظام سان فرانسيسكو التقليدي المعروف بـ «المحور والأطراف»، بما يضيف باطراد شركاء وقدرات ومناطق تعاون، وبرغم النجاح المتزايد لهذا النهج، ففيه على الأقل ثلاث قضايا شائكة طويلة الأمد:

أولا: هذا التعاون الثلاثي الجديد سيضيف أعباء على مسؤولي الدبلوماسية والدفاع في الولايات المتحدة واليابان المثقلين أصلا بالتزامات تجمعات أخرى. صحيح أن الوزارات يمكن في الوقت الراهن أن تتولى الأمر ولكن ما مدى قابلية نهج الإنهاك القائم للدوام؟ إذ يقال إننا بلغنا الحد الأقصى لعدد الشراكات الثلاثية التي يمكن أن نديمها بقوة العمل الحالية، وبالموارد والمدى الزمني المتاح لنا.

ثانيا: تغير شكل التهديد في المنطقة تغيرا كبيرا منذ قام أول التجمعات الصغيرة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وكان أول تجمع ثلاثي قد تأسس بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية سنة 1994 للتعامل مع أزمة كوريا الشمالية النووية. والآن لدينا الصين بما لها من مطامح إقليمية وعالمية، والتي دأبت على استعراض القوة العسكرية باطراد لتتمكن من تأمين هذه المطامح، وجاء إنشاء قوة حربية شاملة قوامها ثلاثمئة وخمسون سفينة، بجانب تحديث التكنولوجيا والعقيدة، ليكتمل بجزر عسكرية في أرجاء بحر الصين الجنوبي، بما يعزز استراتيجية محاولة تأمين السيادة على مسار شحن عالمي أساسي- في بحر الصين الجنوبي- عبر التهديد باستعمال القوة القسرية. فيهدد هذا سيادة بروناي وماليزيا وفيتنام وإندونيسيا والفلبين، هذا ولم نصل بعد إلى التهديد الحقيقي للغاية لديموقراطية تايوان، ولقد كان موقف الصين من الأمن الإقليمي هو انتقاد نظام التحالفات التقليدي ونشر المعلومات المضللة والدعاية المضادة للتجمعات التي نشأت عنه.

ثالثا، لا بد من القبول بأنه في حين أن ترتيبات التجمعات الصغيرة يعزز الأمن لأعضائها، فإنه لا يوفر الأمن الجماعي، إذ تفتقر هذه التجمعات إلى توقعات الدفاع والضمانات الرسمية وغير الرسمية، ورغم أن الولايات المتحدة كثيرا ما تشكل عقدة حرجة، بكونها حليفا لشريكين آخرين في التجمعات الصغيرة، فإن عامل الردع المضمون في التجمعات الصغيرة لا تعززه قوة التحالفات العديدة الأطراف نفسها.

صحيح أن هناك تأثيرات طويلة الأمد قادرة على تعزيز الردع لكن هذه التأثيرات بطيئة التشكُّل وتتم في الخفاء، إن جاز التعبير، إذاً فبالرغم من كل جلبة التجمعات الصغيرة فإنها لا تتمتع بقدرة حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف واحد متعدد الأطراف يتمتع بمصداقية المادة الخامسة.

في الوقت الذي خططت فيه الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والفلبين لأول مناورات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي للدفاع عن «سيادة القانون أساسا للسلمية والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ»، كان على مشغلي السفن أن يضعوا خططا للالتفاف على هذا الواقع.

ثمة شيء من التناقض في حقيقة تتفق عليها أغلب دول المنطقة، وهي أن الأمن الإقليمي تدهور تدهورا ملحوظا، حيث يزعم أربعة من كل خمسة في جنوب شرق آسيا أن رابطة دول جنوب شرق آسيا غير فعالة في التعامل مع تحديات اليوم. وفي هذا السياق، ثمة وقع تاريخي للقاء بايدن وكيشيدا والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس.

في نهاية المطاف أدت هذه البلدان الثلاثة دورا فعالا في محاولة ناشئة لتأسيس حلف المحيط الهادئ فيما بين 1949 و1950، وقد بدأ ذلك الحلف باقتراح من الرئيس الفلبيني آنذاك إلبيديو كويرينو، وروّج له جون فوستر دالاس في المنطقة لكنه لم يجد في نهاية المطاف استحسانا كبيرا، من رئيس وزراء اليابان بعد الحرب يوشيدا شيجيرو، وبحلول فبراير 1950، كانت الفكرة قد ماتت، وباستثناء منطقة سياتو، كانت التجمعات قد ماتت في المنطقة.

غير أن نجاح حلف شمال الأطلسي التاريخي في الحفاظ على السلام في القارة الأوروبية أثمر مناهج عديدة صغيرة تجاه الأمن المتعدد الأطراف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقد ازدهرت هذه خاصة بعد نهاية الحرب الباردة، وفي 2002، بدأ تجمع ثلاثي آخر بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، بمبادرة من كانبيرا فأثمرت تلك الخطوة إنشاء تجمع التكنولوجيا والأمن والدفاع ومنتدى التعاون الأمني والدفاعي (SDCF) بعد ذلك بوقت قصير، وتطور إنشاء (المجموعة الأساسية) في عام 2005- وقد نشأت في البداية للتعامل مع تسونامي المحيط الهندي- إلى المجموعة الرباعية الحالية، التي أدخلت الهند في مخيم التجمعات الصغيرة المتنامي، وأنشئ أوكوس في عام 2021 طغى على كل مجموعات «القدرة الموحدة» هذه من حيث النية الاستراتيجية، ومن حيث العناوين الرئيسة، ومن حيث الموارد البعيدة المدى، وفي حين أنه من البدهي أن هذه الجماعات «ناجحة»، فإن الأسباب الثلاثة تشير إلى أنها قد تكون ضرورية لكنها ليست كافية للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة.

ودفاعا عن النهج الحالي، فمن الواضح أنه سمح لواشنطن وطوكيو بناء ترتيبات أمنية شبكية بطريقة تدرُّجية، والتغلب على العداء السياسي والجمود البيروقراطي الذي لا يزال يطارد مناقشات أي ترتيبات دفاعية جماعية في المنطقة، ويحسب لآلة الدعاية الرائعة التي تستخدمها الصين أن الدول الأكثر عرضة للخطر من افتراسها الإقليمي هي الأكثر عداء لأي حل على طريقة «حلف شمال الأطلسي في آسيا». وبهذا المعنى، توفر التجمعات الصغيرة حلا مؤقتا، أو حلا بديلا يسمح لجيوش تلك الدول الأكثر اهتماما بإضفاء الطابع المؤسسي على علاقات العمل، وزيادة لقابلية العمل المشترك، والقدرات المتكاملة، وتساعد إضافة الفلبين إلى حد ما في أن تظهر لدول الأخرى حلا محتملا لمشكلتهم المشتركة. ورغم هذا كله، فإن من يتخوفون من إمكان استخدام الصين للقوة في تغيير الحدود- سواء البحرية أو غيرها- يجب أن يبدؤوا بفتح عقولهم لترتيبات الدفاع الجماعي، ولعل الوقت ينفد لإقامة آلية ردع حقيقي في المنطقة تتسم بالاستدامة والقابلية للحياة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ظلت المهندس الرئيس لنظام سان فرانسيسكو، فمن الواضح أيضا أن آخرين- من قبيل أستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين واليابان- بحاجة إلى التفكير في نوع الترتيب الجماعي الذي يناسب بلادهم خلال العقود القادمة على العالم.

من بعض النواحي، كانت اليابان عامل تمكين رئيس للتغييرات التي حدثت حتى الآن، وقال كيشيدا في تصريحاته أمام مجلسي الكونغرس: إن «شراكتنا تتجاوز العلاقات الثنائية... فمن هذه المساعي المختلفة ينشأ إطار إقليمي متعدد الطبقات يمثل تحالفنا فيه قوة مضاعفة».

قد يبدأ خبراء الأمن اليابانيون بطرح مفاهيم الأمن الجماعي على حلفائهم بطريقة تؤدي إلى بدء العمل، ولعل مستقبل المنطقة كلها يعتمد على ذلك.

* جون همينغز: المدير الأول لبرنامج السياسة الخارجية والأمنية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في منتدى المحيط الهادئ.

back to top