في الجزء السابق من هذا المقال طُرح السؤال التالي: هل تملك الكويت الإمكانات والقدرات التي تؤهلها للتطوير والتنمية؟!
وسأحاول أن أجيب عن هذا السؤال بعد أن أبين للقارئ الكريم في مقدمة بسيطة كيف ساهمت الدولة خلال السنوات الماضية في اعتماد المواطن الكويتي عليها اعتماداً كاد يؤدي إلى قتل الجد والاجتهاد والإبداع بسبب ما توفره الدولة من رعاية أنتجت الكسل والدعة عند البعض!
ونظراً لاعتماد المواطن الكويتي على الدولة في توفير كل الخدمات، وبأسعار مجانية إضافة إلى سياسة الدولة في التوظيف والتعيين وإدارة الثروة البشرية والجمود وقلة الإبداع في أغلب الإدارات الحكومية، وسيادة النمط الاقتصادي التقليدي المتبع في توزيع الثروة، حيث أثر ذلك على كفاءة الجهاز الحكومي وإنتاجيته، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى عدم وجود خطط إقطاعية حقيقية، وعدم إيمان المواطن والموظف الكويتي بالخطط الإنمائية للدولة بسبب عدم الإحساس بالحاجة للتطوير والتغيير، وعدم توافر الرغبة في رفع كفاءة الجهاز الإداري الحكومي، وفاعلية الوزارات والهيئات الحكومية، وعليه فقد اختار بعض القيادات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية التعايش مع هذه المشاكل حتى لو كانت الظروف المادية والبشرية مهيأة لحلها والتغيير للأفضل.
وبسبب المتغيرات المتعددة والمتسارعة التي يشهدها العالم مثل العولمة (Globalization) وما نتج عن الاتفاقيات والتكتلات الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية سواء على مستوى الدول أو المنظمات أو الشركات العالمية بالإضافة إلى الثورة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات ونظم وتقنية المعلومات والتحول الرقمي Digital Transformation والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence فقد جعلت هذه الظروف من التخطيط الاستراتيجي منهجاً حتمياً للتعامل مع سرعة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية والبيئية.
وتملك دولة الكويت العديد من المقومات التي يمكن من خلالها القيام بتنمية شاملة، فالموقع المتميز لدولة الكويت، وقدرتها المالية ومخزونها النفطي، والمستوى المرتفع للتنمية البشرية، والوضع الإقليمي والدولي المتميز سواء على مستوى العلاقات الدولية أو الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التعليم، وارتفاع نسبة الشباب في المجتمع الكويتي وتوافر البنية التحتية، كل هذه العوامل يمكن أن تسهم في مساعدة وتمكين الكويت من استغلال الفرص المتاحة وحسن تكييف وتوظيف الموارد البشرية والمادية، والتخفيف من الآثار المترتبة على التحديات والتهديدات المحيطة بها.
كما أن التطورات الاقتصادية والتكنولوجية والمتغيرات السياسية والاجتماعية المحيطة بنا تدعونا إلى أن نفكر فيما يدور في العالم من حولنا، ونختار ما يتناسب مع إمكاناتنا المادية والبشرية في ظل قيمنا العربية والإسلامية Think Globally and Act Locally وفي وضع خطة استراتيجية تتناسب مع ما نملك من عناصر قوة واستغلال لمواردنا المالية والبشرية الحالية والمستقبلية.
وقد جعلت متطلبات الألفية الثالثة التخطيط الاستراتيجي (Strategic Planning) مطلباً وخياراً لا بد منه، وأصبحت المعرفة التكنولوجية أمراً حتمياً لمسايرة ما يدور حولنا من تطورات سريعة في مختلف المجالات وخاصة مجال تكنولوجيا الاتصالات ونظم المعلومات.
إن من يملك المعرفة التكنولوجية والمعلوماتية سيكون الأوفر حظاً، والأكثر نجاحاً في الألفية الثالثة، والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى تمتلك دولة الكويت المعرفة التكنولوجية والمعلوماتية لمواجهة التحديات المستقبلية؟! إن الجيل الجديد من الشباب الكويتيين يمكن أن يسهم بشكل فعال في التعامل مع التحديات المستقبلية بما يمتلك من قدرات ومعرفة فنية وتكنولوجية حديثة تراكمت خلال السنوات العشر الماضية.
وفي اعتقادنا أن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لن تكون فاعلة إذا لم تتوافر حكومة فاعلة وكفؤة، وأكاد أجزم أن كل ما نحتاجه في دولة الكويت هو (الإدارة الفاعلة والناجحة)!! ولكن كيف الوصول الى هذه «الإدارة الفاعلة الناجحة»؟
في الجزء القادم من هذا المقال سنتطرق إلى ما نقصد بالإدارة الفاعلة والناجحة.
ودمتم سالمين.