ميناء مبارك الكبير هو أحد الفرص الكويتية الكثيرة الضائعة، إن لم يكن أهمها، فقد سبقتها فرص ذهبية أضاعت على الكويت، من دون مبالغة، مليارات الدنانير، إلى جانب خسارتها لأهمية استراتيجية كان المفروض أن تكسبها، منها تأخير إنجاز المصفاة الرابعة، وتطوير حقول الشمال، وإلغاء صفقة مشروع الداو الاستراتيجي، واستغلال الجزر الكويتية سياحياً، وضياع عقود من فرص النهوض بالتعليم، والتهاون في تحقيق التنمية الحقيقية المستدامة.

إنه فشل حكومي ــ نيابي لا ريب فيه، أضر بالكويت وبقدرتها التنافسية حتى مع دول أقل منها كفاءة وخبرة ومتانة مالية واقتصادية. ضياع تلك الفرص، وبلا استثناء، سببه إما صراع سياسي، أو فرض إرادات، أو تكالب على قصعة الكويت المالية، أما أدوات ذلك الفشل فنواب متنمرون معرقلون وحكومات متعاقبة إما «متخادنة» أو متخاذلة، إننا نشعر بالحنق على مَن تسبب في كل ذلك، وبالغضب لأن كل تلك الفرص السانحة لم تحرك ضمائر مَن تسببوا في ضياعها.

Ad

مشروع ميناء مبارك الكبير الاستراتيجي كان مطموراً في الأدراج، نَفَضَ عنه غبار النسيان إعلان توقيع عقود بدء ترتيبات تشغيل ميناء الفاو العراقي، فقد انطلقت عجلة تنفيذ ميناء مبارك في سنة 2007، أُنجز منه حتى الآن ما نسبته 52%، الآن وبعد 17 سنة من الجمود أعلن قطاع المشاريع الكبرى في وزارة الأشغال العامة عن البدء بمواصلة تنفيذه وإحياء مشروع طريق الحرير، ولكن بعد ماذا؟ «هل بعد أن طارت الطيور بأرزاقها؟».

المعلن والمفترض أن تبلغ تكلفة الميناء حوالي 6.5 مليارات دولار، ليشغل مساحة قدرها 111.61 كم2، وليحتوي على 60 رصيفاً، و4 ساحات للحاويات، و3 أرصفة للركاب، ومنطقة تجارية حرة. كانت الأمنية أن يجعل ميناء مبارك من الكويت مركزاً تجارياً رئيسياً، وممراً للترانزيت يربط الشرق بالغرب، وكان الحلم أن يساهم في تعظيم حجم الاستثمارات المحلية واستقطاب الخارجية.

هذا المشروع كان سيوفر الآلاف من فرص العمل للشباب الكويتيين، إلى جانب كسب الخبرات العالمية في إدارة الموانئ، وهذا يذكّرنا بما ضيّعته الكويت من إلغاء صفقة الداو الاستراتيجية، والتي كانت ستوفر للشباب فرص عمل فنية في أهم مرفق بتروكيميائي تحويلي في العالم، فخسرنا مكسباً تكنولوجياً ومادياً.

أما ميناء الفاو العراقي فتم توقيع عقده مع الصين سنة 2019، وبدأ العمل به 2020، الذي يبدو أنه اقترب من مراحله التشغيلية الأولية، وسيشغل هذا الميناء مساحة تبلغ 54 كم2، بـ99 رصيفاً، وبطاقة استيعابية سنوية تبلغ 99 مليون طن سنوياً، وبتكلفة تبلغ حوالي 5.8 مليارات دولار، وليكون ترتيبه العاشر على مستوى العالم، وهدفه أن يكون قاعدة لممر ترانزيت بري ينقل البضائع من الشرق باتجاه الغرب، ويبدو أن ميناء الفاو قد دق جرس الإنذار في مختلف دول المنطقة ومنها مصر بعد الترويج للميناء على أنه بديل للجميع.

الصراع السياسي والجدل البيزنطي بحجة الديموقراطية أضاعا على الكويت الكثير، وأفشلا أي مشروع نهضوي تنموي مفيد، جدل وإسفاف من دون أي فائدة، إضاعة وقت بلا إنجاز، وعرقلة حتى في المكافحة الشرعية للتزوير والفساد والرشوة.

لقد ابتلينا بكثرة الجدل وندرة العمل التي حذر منها القول المأثور «إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل»، فاتركوا عقيم الجدل، والحقوا بمن سبقنا بالعمل.

ملحوظة: الأرقام المذكورة أعلاه مستقاة من عدة مصادر.