بينما تدق إسرائيل طبول اجتياح مدينة رفح المكتظة بـ 1.4 مليون نازح قرب الحدود المصرية، وتسرب قبولها لجل مطالب «حماس» من أجل إبرام صفقة تبادل محتجزين دون الخضوع لشرط وقف حرب غزة المتواصلة منذ 204 أيام، طالبت دول المجموعة العربية السداسية، خلال اجتماع وزاري تشاوري بالعاصمة السعودية الرياض، بإنهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني، والتوصل إلى «وقف فوري وتام لإطلاق النار»، معربة عن استيائها من موقف الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، حيث استخدمت «الفيتو» لمنع قبول فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
ونقلت «سكاي نيوز عربية»، أمس، عن مصدر فلسطيني مسؤول قوله، إن الدول الست، الممثلة في السداسية العربية، عبرت عن غضبها تجاه «تجاهل الولايات المتحدة الورقة العربية المقدمة كخطة لما بعد الحرب».
وقال بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس)، إن وزراء وممثلي المجموعة السداسية أكدوا «ضرورة إنهاء الحرب على غزة، والتوصل إلى وقف فوري وتام لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين، وفقاً للقانون الإنساني الدولي».
وشددوا على «رفع كل القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وعبروا عن دعمهم لكل الجهود الرامية إلى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني».
كما أكدوا «أهمية اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة»، مؤكدين أن «قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، ورفضهم القاطع لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، وأي عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية».
وحذّر المشاركون من استمرار «الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية» في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، والتي «تقوض حل الدولتين، بما في ذلك التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي والعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، واعتداءات المستوطنين ومحاصرة حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين».
وترأس الاجتماع الذي عقد بالرياض وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بحضور نظيريه المصري سامح شكري، والأردني أيمن الصفدي، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، والمستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور محمد قرقاش، ووزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي.
وفي اجتماع آخر منفصل، بحثت اللجنة السداسية، بالإضافة إلى وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، تكثيف العمل العربي والإسلامي المشترك للتوصل إلى وقف فوري لإنهاء العدوان على غزة وإقامة الدولة الفلسطينية، وضمان حماية المدنيين، وتوصيل المساعدات الكافية والمستدامة للقطاع.
وأكد الوزراء خلال الاجتماع الذي ترأسه بن فرحان ضرورة فرض المجتمع الدولي عقوبات فاعلة على إسرائيل، بما في ذلك وقف تصدير السلاح إليها رداً على خرقها للقانون الدولي، ومحاسبة مسؤوليها على ارتكاب جرائم الحرب.
كما عبّر الوزراء عن قلقهم إزاء الإجراءات المتخذة ضد المتظاهرين السلميين في الدول الغربية، للمطالبة بوقف الحرب في غزة والجرائم والانتهاكات الاسرائيلية الجسيمة ضد الفلسطينيين.
في غضون ذلك، أفادت مصادر بأن لقاء السداسية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي سيناقش صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، بالإضافة إلى مناقشة تصور اليوم التالي للحرب في غزة، سيعقد اليوم في العاصمة السعودية الرياض التي تستضيف اجتماعات مؤتمر «دافوس الاقتصاي» حالياً.
عباس وبايدن
من جهته، رأى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال وجوده في الرياض أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على أن تمنع إسرائيل من مهاجمة رفح برياً، لافتاً إلى أنه يتوقع أن تشن سلطات الاحتلال هجومها المرتقب في غضون أيام، وهو «ما سيدفع معظم الفلسطينيين إلى النزوح من القطاع» المتاخم لسيناء المصرية.
وقال عباس: «نناشد أميركا بالإيعاز أو الطلب من إسرائيل أن تتوقف عن عملية رفح، لأنها الوحيدة القادرة على أن تمنع إسرائيل من ارتكاب هذه الجريمة».
وأضاف: «ما سيجري خلال الأيام المقبلة، وما ستقوم به إسرائيل من اجتياح مدينة رفح، لأن جميع الفلسطينيين من أهل غزة تجمعوا في رفح، وبقي ضربة فقط لكي يخرجوا جميعاً».
وتابع: «هنا تحصل أكبر كارثة في تاريخ الشعب الفلسطيني. نأمل أن تتوقف إسرائيل عن هذا العمل، عن هذا الهجوم».
وأعرب عباس عن مخاوفه من أنه بمجرد أن تكمل إسرائيل عملياتها في غزة فإنها ستحاول إجبار الفلسطينيين على الخروج من الضفة الغربية إلى الأردن.
رد وتوقع
بدوره، صرح قيادي بـ»حماس» بأن وفداً من الحركة برئاسة خليل الحية سيزور القاهرة اليوم الاثنين لإجراء محادثات، مضيفاً أن الوفد سيناقش وقف إطلاق النار المقترح الذي عرضه الوسطاء وكذلك رد إسرائيل.
وكانت الحركة قالت، أمس الأول، إنها تلقت رد إسرائيل الرسمي على أحدث مقترح لها بخصوص وقف إطلاق النار، مضيفة أنها ستدرسه قبل أن تسلم ردها.
وذكر المسؤول أن إسرائيل ليس لديها أي مقترحات جديدة تقدمها، لكنها مستعدة لبحث هدنة محدودة يُطلق بموجبها سراح 33 بدلاً من 40 رهينة لدى «حماس»، كان النقاش يدور حولهم من قبل.
ومع استمرار حالة التعثر في المفاوضات الرامية لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين بغزة وعددهم نحو 100، وإقرار هدنة مؤقتة لكسب المزيد من الوقت وإفساح المجال أمام استمرار الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، تسود حالة من الترقب وحبس الأنفاس في مدينة رفح الحدودية التي تؤوي معظم النازحين من شمال ووسط القطاع المدمر بخيم نصبت في العراء.
تطمين وحسم
وفي حين أكد البيت الأبيض أن إسرائيل طمأنت إدارة الرئيس جو بايدن بأنها لن تقدم على دخول رفح قبل طرح الرؤية الأميركية، ومعالجة المخاوف بشأن المدنيين، نقل عن مسؤول إسرائيلي أن الأوساط العبرية الرسمية تتوقع رداً من زعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار خلال 48 ساعة، لافتاً إلى أنه في حالة قدمت الحركة رداً سلبياً آخر، فمن المتوقع أن تختار إسرائيل إجراء «تدريجياً ومنضبطاً» للتعامل مع كتائب «حماس» المتبقية في رفح.
ووصف المسؤول الكبير المشهد الراهن بأنه «لحظات حاسمة في الجهود المبذولة للتوصل إلى صفقة رهائن جديدة مع حماس»، زاعماً أن إسرائيل أبدت استعداداً لتقديم تنازلات كبيرة جداً فيما يتعلق بعودة النازحين إلى شمال القطاع».
وفي وقت تشير تقديرات عبرية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرج أن التوصل إلى الاتفاق المحتمل مع «حماس» بشأن إطلاق الرهائن قد يفضي إلى وقف الحرب، التي قال إنها تهدف إلى القضاء على سيطرة الحركة للقطاع، حذر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رئيس الائتلاف الحاكم من التراجع عن فكرة اجتياح رفح، قائلاً «إذا ألغي اجتياح رفح، فلن تكون لحكومتك صلاحية للاستمرار».
وفي تسجيل مصور نشره عبر منصة «إكس»، رفض الوزير اليميني المتطرف اتفاقاً بوساطة مصرية مع «حماس» لاستعادة عشرات الرهائن الإسرائيليين في غزة مقابل إطلاق سراح رهائن فلسطينيين.
واعتبر أن الموافقة على مقترح الصفقة المصري بمنزلة «استسلام مهين يمنح النصر للنازيين».
ورد الوزير بحكومة الحرب المصغرة بيني غانتس على تهديد سموتريتش قائلاً إنه يعارض استمرار عمل الحكومة إذا عطل أحد أعضائها التوصل إلى صفقة تؤمن عودة المحتجزين.
وجاء ذلك في وقت تشير التسريبات إلى أن المقترح المصري يمسك العصا من المنتصف ويلتف حول «شرط حماس»، المرفوض إسرائيلياً، والمطالب بوقف الحرب بشكل كامل، ويستبدله بـ«إلغاء اجتياح رفح» لتفادي كارثة إنسانية ونزوحاً فلسطينياً باتجاه سيناء مع منح الحركة «مساحة مناورة» تمكنها من إفشال هدف الحرب الأساسي والمتمثل بالقضاء عليها.