رحم الله الدكتور طه حسين، الذي عانى تزمُّت المُتزمتين يوم صدر كتابه «في الشعر الجاهلي»، مع أنه كان ينطلق فيه من فلسفة الشك المنهجي الديكارتية، وطبَّقها عملياً على الشعر الجاهلي، وليت بعض هؤلاء المُتزمتين يقرأ الجزء الثاني من كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، وتحديداً في الصفحتين الثانية والثالثة، ليتأكد من أن قيس بن الملوح، الشهير بمجنون ليلى، هناك مَنْ يشكك في وجوده أصلاً، فأيوب بن عُبابة قال: سألتُ بني عامرٍ بطناً بطناً عن مجنون بني عامر، فما وجدتُ أحداً يعرفه أو سمع به. أما ابن دأبٍ، فقال: قلتُ لرجلٍ من بني عامر أتعرف المجنون، وتروي من شعره شيئاً؟ فأجابني: أو فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين؟ فما أكثر الشعراء عند بني عامر! فقلت له: ما هؤلاء مَنْ قصدت، وإنما أقصد مجنون ليلى؟ الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات هيهات، بنو عامر أغلظ أكباداً من الذي تبحث عنه.

***

Ad

وقال الرياشي: سمعت الأصمعي يقول: رجلان ما عُرفا في الدنيا قَط إلا بالاسم فقط، مجنون بني عامر، وابن القرية، فإنهما من صُنع الرواة.

***

وفي الصفحة الرابعة يقول الأصفهاني: إن حديث المجنون وشعره من وضع فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له، وكان يكره أن يُظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون الذي قال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه، فانتشرت هذه الحكاية انتشار النار في الهشيم، فصدَّقها الناس.

***

ألا أيها التاريخ، كم من أكاذيبَ لكَ تُنسب إلى أمواتٍ قد زرعت البؤس والبغضاء والضغائن التي تحيط بحياة الأحياء من كل جانب!