اصمت أنت غير موجود
صه، اسكت، اصمت، لا تتحدث، لا تكتب، لا تخاطب أحداً. ماذا تريد أن تقول؟ ندرك ما في صدرك، فضفضة وثرثرة تريد منها البروز الاجتماعي والاختلاف عنا، نحن الجماعة، نحن الأصل والأساس وأنت تدافع عن الدخلاء علينا... لماذا؟ ألا تخشى على هويتنا وعلى ثقافتنا... نحن ملوك الأرض... وسواء كنا أقلية أم لا... ألا تشعر بالخطر على هذه الهوية الأصيلة؟ هم غيروها، خربوها، كنا في الأمس نصنع الصواريخ العابرة للقارات بفضل عبقرياتنا العظيمة ونغني «الهولو على ظهر السفينة»... ماذا حدث اليوم؟... اليوم نتسكع بالأسواق ونغني في «المولو» ومالت عليكم.
اسكت، صه، هل انتهت مواضيع الخلق حتى تكتب وتنشر عن أدب البدون؟ من هم البدون؟ من يكونون؟ هم أرقام حشرت نفسها معنا، لا تسألنا كيف... لا ندري، زرع فطري نبت دون سبب، ربما هناك سبب لكن لا نريد أن نعرفه. لا يوجد بدون، هم بلا هوية، ومن هم بلا هوية لا يستحقون أن يكونوا بشراً، هكذا قال ولدنا ديكارت «أنا بدون إذن أنا غير موجود...».
مرة أخرى وثانية وثالثة، اصمت، يعني اخرس، كيف تتحدث وتطالب بالمساواة مع هؤلاء الدخلاء الذين تجرأوا على نظامنا وأمننا السياسي والاجتماعي؟ نعلم أنهم يحملون الجنسية العليا إلا أن هذا لا يعني أنهم مثلنا... «نحن غير» كيف نكون «غير» لا نعلم، ولكننا على يقين بأننا «غيرهم»، هويتنا غيرهم، هم لا يعلمون وينتجون بوكالة ناسا، نحن نقتل أنفسنا من طول ساعات العمل بوكالات «نسينا»، والتي تدر الخير الوفير علينا... كيف تطالب بالمساواة معهم؟ هم «زادوا الجيلة» وتحدوا أنظمتنا وأمننا، هل فقدت عقلك؟ تريدهم أن يتحدثوا مثلنا... يا للهول... هكذا تكلم زرادشت يوسف وهبي.
نحن القانون... نحن المؤسسات... نحن العادات... نحن النفط، نحن نصحو وننام على ريش نعام، ونغسل أيدينا قبل الأكل وبعده... نحن كل شيء في فضاء لا يوجد فيه شيء... صه لا تتكلم لا ترد... أنت غير موجود.