دورة الخليج... الغائب الحاضر
وزير يحيل مدير هيئة إلى التحقيق، ووزير آخر في الحكومة نفسها يطلب رأي إدارة الفتوى والتشريع بالإحالة كونها الجهاز القانوني للدولة، وتأتي فتوى الإدارة معاكسة لقرار الوزير كونها- بحسب فتواها- خارجة عن صلاحيات ونطاق حكومة تصريف العاجل، وكأمر روتيني الوزير الذي أرسل الطلب أحال الفتوى وخاطب زميله الوزير مصدر القرار بالاطلاع على فتوى أرفع جهاز قانوني لديهم، فرفض الوزير الالتزام بالفتوى، وأصر على قراره.
إذا اعتقدت أن ما سبق هو أمر يحتاج فنجان قهوة للتركيز والتدبر لفهم مجريات الأمور فانتظر قليلا، فستحتاج لإيقاظ بنت البن في أمور أخرى في حال حاولت تصور سيناريو ما بعد القرار وطلب تفسيره ورد الطلب.
طبعاً نتيجة قرار لجنة التحقيق لا يخرج عن احتمالين، إما خروج لجنة التحقيق بقرار يبرئ المدير أو قرار يدينه، الاحتمال الأول سيلقي تبعات تأخر الاستعدادات لدورة الخليج على عاتق اللجنة المنظمة التي يرأسها الوزير المشتكي، وهنا سيتحول الوزير واللجنة من مدع إلى مدعى عليه، ولن نحتاج فتوى إدارة الفتوى والتشريع في شيء، فهي تحصيل حاصل ولزوم ما لا يلزم، أما إذا أكدت اللجنة اتهام الوزير فغالبا سيصدر قرار بالتقاعد أو الإقالة لمدير الهيئة أو أي عقوبة أخرى يراها، وكأي قرار إداري يخضع لرقابة القضاء، المدير طبعا وفق حق التقاضي الدستوري سيلجأ للمحاكم لتنظر في قرارات الوزير ولجنة التحقيق، وهنا سيوكل محاميا ليدافع عنه أو يشرح شكواه، هذا المحامي محظوظ جدا فلن يتعب نفسه في كتابة مذكرة دفاع، بل سيأخذ فتوى إدارة الفتوى التشريع التي ستواجه في قاعة المحكمة كمحام للدولة، وسيقول إن قرار الوزير غير ملائم إجرائيا، بدليل فتوى الجهة القانونية الأرفع التي تمثل الحكومة، والتي- طبعا وطبعا وطبعا حتى النهاية- تترافع في المحكمة ذاتها عن قرار الوزير الذي تدافع عنه، وفي الوقت نفسه أفتت بعدم ملاءمة قراره المذكور للأسباب التي ذكرتها في فتواها، هل تحتاج لفنجان قهوة الآن؟! لا، انتظر قليلا حتى تقرأ الفقرة الأخيرة.
بعيداً عن هذه التفاصيل مثار الاتهام هنا، والعنوان الأكبر هو التراخي في الاستعداد لدورة الخليج التي ستقام بعد شهور قليلة، وما بين الأخذ والرد والفنتازيا المنطقية التي تشهدها الحالة، هناك سؤال يقبع خارجا في العاصفة يطرق نوافذ التفاصيل كلها هنا ومحاولا الدخول، وهو: أين دور الاستعداد لدورة كهذه من كل هذا؟! وهل فعلا نريد للبلاد أن تستقبل حدثا رياضيا يهمنا جميعا وسط هذا الوطيس الحامي والغبار الذي لا يراد له أن ينجلي في ميدان رياضتنا؟!
دورة الخليج هي الغائب الحاضر في مواضيع كهذه، وهي ليلى التي يدّعي الكل وصلاً بها ولا تقرّ لهم بذاكا، لا نريد لهذه الدورة التي تقبع في ذاكرتنا التاريخية والرياضية أن تسقط وحيدة تحت سنابك خيول صراعات الرياضة والسادة المسؤولين، فالقضية تخص البلاد كلها وصورتها أمام أشقائها.