• عناوين رواياتك تفتح باب القارئ على الأسئلة حتى قبل بداية القراءة، كيف تختار العناوين؟

- سأكون صريحاً بالنسبة إلى مسألة العناوين، وتحديدا في الروايتين الأخيرتين، «جامع أعقاب السجائر»، و«يوميات عقيمة»، فقد كان اختيار العنوان من أصعب الأمور التي قمتُ بها، وللأمانة أشركتُ معي الكثير من الأصدقاء ممن يقرأون أعمالي وهي مخطوطة، ووصلنا إلى هذين العنوانين بعد جهود ونقاشات، ولكنني أظلّ أركّز على اختيار الأكثر تكثيفًا للمحتوى العام للنصّ الروائي، فكان ما وصلنا إليه جيّدًا، وكما ذكرتِ، يفتح الكثير من الأسئلة أمام المتلقّي قبل البدء بالقراءة.

Ad

• في رواية «مترو دبي»، كيف تداخلت الأزمنة وتشظيات الأمكنة السردية في تحديد رؤية وإدراك وجود شخوص الرواية؟

- «مترو دبي» كانت التجربة، وقد قصدتُ أن أبدأ تجربتي الأولى باعتماد «التداعي الحرّ» ضمن «تيّار الوعي»، وكان لتعدّد الأمكنة وتأثير الأحداث في الشام مع بداية الأحداث عام 2012 الأثر الأكبر لضرورة تداخل الأزمنة بالتزامن مع تنوّع الأمكنة، ولأنّ الشخصيات كانت شابّة، من لبنان والشام، تلتقي في دبي، فكان للأمر ضرورة من أجل تطوّر حال الشخصيات وتأثير الأحداث عليها.

هموم عادية

• في رواية «جامع أعقاب السجائر»... رصدت حالَ الفرد البسيط العادي الذي يبدأ مراهقًا يجمع أعقاب السجائر خلف رجال القرية، وينتهي بطلًا يدافع بصدره عن عائلة من غير دينه أثناء الحرب الأهلية في لبنان، كيف استطعت من خلال هذا النص أن تعالج قضايا الواقع؟

- لرواية جامع أعقاب السجائر قصّة مختلفة، فقد بدأت فكرتها مع رسائل من أصدقاء المراسلة أيام الستينيات والسبعينيات، احتفظ بها والدي منذ تلك الأيام، ومنها انطلقت فكرة مشروع الرواية، ولكن التركيز على الشخص العادي، أو الهامشيّ، وأن تكون له قصة تُروى، كان الأساس الذي بنيتُ عليه حركة الشخصيات وعلاقاتها، وكانت هناك لعبة روائية حيث يكتشف المتلقّي رواية داخل الرواية، ولأنني أردت وصف حال اللبناني، وحتى الفلسطيني، أو الشاب العربي بشكل في تلك المرحلة، فمع أنّ الحرب اللبنانية، وكل الحروب التي يخوضها الفرد في متجمعاتنا، يكون معظم الناس برأيي غير آبهين ولا مكترثين، وقد تكون هموم الحياة اليومية هي الطاغية، ولكن هذا لا يلغي أن يكون الإنسان بطلًا في كلّ تفصيل يقوم به في حياته.

• في روايتك الممتعة «يوميات عقيمة» مزج مدهش بين الواقع والموروث الاجتماعي والتقاليد، كيف استطعت نقلنا إلى داخل هذه الدهشة دون أن يفقد النص توازنه؟

- «يوميات عقيمة» هي بالفعل يوميات امرأة وصلت إلى مرحلة العُقم، ولم يتبقَّ أمامها سوى اللجوء إلى طفل الأنبوب، وأردتُ في هذه الرواية بالفعل تصوير يومياتها، وكيف كانت حياتها منذ مراهقتها، والتحديات التي واجهتها حتى وصل بها الأمر لأن تتزوّج من أرمل وتسافر، لتُبعد عن نفسها صفة العانس، ولتبتعد عن تهميشها في بيت أهلها وبين إخواتها... ولكن الخلل في العلاقات الزوجية كان همًّا آخر أضيف إلى همّ المرأة الساعية نحو الأمومة، فتكون العلاقات المتشابكة بين الشخصيات وبين ماضيها وواقعها الأساس الذي تُبنى عليه كل الصراعات وكل الأحداث اللاحقة لها.

مجالات إبداعية

• إلى جانب السرد الروائي تمارس أصنافاً عدة من الإبداع الثقافي، كيف وظفت كل هذه التجارب في الرواية؟

- أنا من المشتغلين أيضًا في النقد الأدبي، وقد كانت أطروحة الدكتوراه في المكان بالرواية الفلسطينية، سحر خليفة وغسان كنفاني، وكان للتخصص في الرواية أسباب عدّة، منها أنّني أكتب الرواية، وتطوير الأسلوب واللغة والاطلاع على آراء النقاد ونماذج الروائيين أمر يحتاج إليه كلّ روائي، لذا كان تأثير العمل على الأطروحة كبيراً على العملين الأخيرين، فالخبرة المكتسبة والخوض في التشريح والتفسير والتحليل أمر زاد تجربتي خبرة وخطوات لا بأس بها نحو التطوير والتجديد.

الأدب الكويتي

• ماذا عن مدى اقتراب الروائي والناقد منير الحايك من الأدب الكويتي؟

- الأدب الكويتي جزء من الحركة الثقافية الكويتية التي كانت رائدة في مجال الإنتاج الثقافي والمعرفي على مستوى العالم العربي، وهنا لابدّ من الإشارة إلى مجلة «العربي» وسلسلة عالم المعرفة، وهنا لا مجال للحديث عن أثرهما المستمرّ، وهما أكبر من أن يُقال رأي سريع فيهما، ولكن أعود إلى مدى اقترابي من الأدب الكويتي، ولأنّ تركيزي الحالي على الرواية، لابدّ من الإشارة إلى أنّ الكويت مازالت الخزّان الرافد للأدب العربي، ولابدّ من الحديث عن تجربة سعود السنعوسي، وتجربة بثينة العيسى ومشروع كلّ منهما للنهوض وللسير الحثيث الواعي نحو مستقبل أدبي وفني وثقافي، وبطبيعة الحال اجتماعي وسياسي مشرق للكويت، وكي لا أنسى أنني من قراء الراحل إسماعيل فهد إسماعيل ومعجبيه، والذي لا تبارح كتاباته الذاكرة.

• كيف نؤسس لعلاقة سليمة بين الناقد والكاتب بعيداً عن استعراض الذات ونفي تعب كل منهما؟

- لا يمكن للكتابة بشكل عام أن تبقى بين يدي المنتجين من خلال إبداعاتهم وبمعزل عن النقد والقراءات المتعددة والآراء العادية والعميقة، ومن هنا لابدّ أن يبقى دور الناقد أساسيًّا، على أن تكون المنطلقات صحيحة ومتينة، لا أن تكون من أجل التشفّي في أحيان كثيرة، من جهة، ومن جهة أخرى ألا تكون في سبيل المجاملات و»اكتب جميلًا عنّي لأكتب عنك»، وهي أمور موجودة للأسف في الوسط الأدبي في العالم العربي، فلو كان النقد من أجل النقد فقط، هنا تكون العلاقة سليمة ومجدية.

غلاف الرواية

• هل تجد أن الروائيين اللبنانيين والعرب أنشأوا من خلال رواياتهم عالما يمكن الإحالة إليه؟

- بالطبع، فالرواية العربية اليوم، والتي بدأت بواكيرها مع جبران ومحمد حسين هيكل وغيرهما، أصبحت على رفوف مكتبة الرواية العالمية بجدارة، ولقد اشتغل كلّ روائيّ عربي، وقدّم تجربةً فريدة، وقدّم جديدًا يعتدّ به، ولكن ما يجري اليوم، من جهة سعي الجميع نحو الجوائز والقوائم الطويلة والقصيرة، من أجل المال أم من أجل الشهرة، أمور تحيلنا إلى بداية خطرٍ ما ليس واضحًا بعد، ومن جهة أخرى كثرة النصوص المنشورة، من شباب ومن مخضرمين، والتي قد لا تصل إلى المتسويات التي ننتظرها، ولكن تجد لها دور نشر تنشرها، لأسباب مختلفة، هنا يجب التفكير بهدوء تجاه الحلول المناسبة.

• ما مشاريعك المستقبلية فى حقل الكتابة والتأليف؟

- حتى اليوم ليس هنالك من مشاريع روائية جاهزة أو قيد البَدء، التركيز على تكثيف القراءات في مجالات الإبداع الروائي والشعري، أو الأدبي بشكل عام، وفي مجالات النقد والفنّ، بالإضافاة إلى متابعة أحوال بلادنا وما قد تؤسّس له لأفكار قد تخلق مشاريع كتابية جديدة، أما التركيز الآن فهو على روايتي الجديدة «يوميات عقيمة» وتقبّل المتلقين لها.

نبذة

الكاتب اللبناني منير الحايك من مواليد لبنان، وصدرت له 5 روايات، وحصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية في بيروت. وصلت روايته «جامع أعقاب السجائر» إلى القائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية عام 2023.

ويكتب الحايك مقالات نقدية، ومن أعماله الأدبية: رواية مترو دبي، والقبر رقم 779، ودراسة أدبية المكان في الرواية الفلسطينية، ورواية جامع أعقاب السجائر، ومؤخرا رواية يوميات عقيمة.