احتشدت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) من 14 دولة الشهر الماضي في إحدى غابات لاتفيا، للمشاركة في أكبر مناورة عسكرية للحلف منذ الحرب الباردة، استعدادا لأي مواجهة محتملة مع روسيا، لاسيما أن أغلب التدريبات ركزت على مواجهة وصد توغل قوات أجنبية عبر حدود الدولة المتاخمة لروسيا، حسبما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال.
وقال العقيد في الجيش اللاتفي أوسكارس كودليس: «الأهم هو إظهار الاستعداد للتحرك بسرعة والانتشار للدفاع عن حدود لاتفيا والناتو»، الذي بات يراقب حدوده مع روسيا بدقة منذ أن استولت موسكو على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014. وتجري مناورات هذا العام، التي تسمى «المدافع الصامد 2024»، والأكبر منذ عام 1988، على مدار أربعة أشهر في مواقع تمتد من الدائرة القطبية الشمالية إلى البحر الأسود، وتضم حوالي 90 ألف جندي، و1100 مركبة قتالية، و80 طائرة، و50 سفينة بحرية.
وتهدف مناورة «المدافع الصامد» إلى إرسال رسالة لموسكو، مفادها أن التحالف يقف على أهبة الاستعداد للدفاع عن أعضائه، وخاصة تلك القريبة من حدود روسيا، وبينها لاتفيا، بينما أكد اللفتنانت كولونيل بالجيش الكندي جوناثان كوكس أن «تكامل جميع البلدان يمثل تحديا»، بعد أن كانت تقتصر المهمات السابقة على عمليات انتشار محددة، سواء في أفغانستان أو العراق أو غيرها من نقاط الصراع.
مشاكل الإنفاق
ورغم مرور 75 عاما على تأسيسه، وتطور الإنفاق الدفاعي الأوروبي، فإن الحلف الأطلسي يعاني من نزاعات داخلية، حيث تختلف دوله الأعضاء حول ما إذا كان ينبغي السماح لأوكرانيا وغيرها بالانضمام إلى الحلف، بينما أثار التنافس على خلافة ستولتنبرغ توترا حادا مع الأعضاء الجدد من الكتلة الشرقية السابقة.
كما لاتزال العديد من دول حلف الناتو، بما في ذلك 6 من أعضائه المؤسسين الـ12، بعيدة عن مستويات الميزانية العسكرية التي تعهدت بتحقيقها قبل 10 سنوات، حيث هاجم المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب هذا الإنفاق المنخفض، ما أثار شكوكا حول مستقبل التحالف إذا فاز برئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل.
وفي عام 2016، وبعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وافق أعضاء الناتو على تعزيز حراسة حدوده عبر قوات مشتركة، حيث تتولى كل دولة رئيسية مساعدة الأعضاء الشرقيين الضعفاء، فأخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة في بولندا، وفعلت ألمانيا ذلك مع ليتوانيا، وبريطانيا مع إستونيا، وكندا مع لاتفيا.
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، عزز الناتو قواته في تلك البلدان، وأضاف شراكات مماثلة في سلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا، ما أدى إلى تشابك الحلفاء بشكل أوثق، عندما أبقت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قوات متمركزة بشكل دائم في ألمانيا الغربية.
واتفقت دول الناتو عام 2014 على أن تنفق كل منها بحلول هذا العام ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، ومن المقرر أن تنفق لاتفيا 2.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع هذا العام، كجزء من خطة للوصول إلى 3% في عام 2027، وتخصص كندا حوالي 1.3% من ناتجها الإجمالي للجيش، فيما انتقد ستولتنبرغ وسفيرة الولايات المتحدة في الحلف الأطلسي جوليان سميث كندا هذا العام لكونها من بين دول الحلف الوحيدة التي لا تسعى إلى تحقيق الهدف المتفق عليه بتخصيص 2% من الناتج الإجمالي للإنفاق الدفاعي.
وفيما حذر الرئيس السابق للبحرية الكندية، نائب الأدميرال المتقاعد مارك نورمان، من فشل كندا في الوفاء بالتزاماتها، يعد التفاوت في كيفية رؤية الدول الأعضاء للتهديدات أحد الانقسامات الأساسية في الحلف الأطلسي، الذي يصنف الإرهاب وروسيا باعتبارهما تهديدين رئيسيين له، في حين تشعر تركيا والدول الأعضاء الأخرى على البحر الأبيض المتوسط بالقلق إزاء الصراعات الإقليمية والهجرة غير الشرعية والإرهاب أكثر من قلقهم بشأن روسيا.
اختلافات فنية
ويتمثل أحد التحديات الكبيرة التي يواجهها الناتو في توحيد معداته العسكرية، وهو أمر شاق، لأن إنتاجها عمل مربح ولا ترغب سوى قلة من الدول في التنازل عنه، وبينما تمتلك الولايات المتحدة حوالي 30 نظاما عسكريا رئيسيا، مثل الطائرات والسفن والدبابات، تحمي الدول الأوروبية منتجي الأسلحة الوطنيين، وتتنافس غالبا على طلبات التصدير، ويستخدم أعضاء الحلف 172 نموذجا، وفقا لأكبر مسؤول عسكري في حلف شمال الأطلسي، الأدميرال الهولندي روب باور.
وبعد الحرب الباردة، لم تكن مثل هذه الاختلافات الفنية ذات أهمية كبيرة، لأن قوات الناتو من دول مختلفة نادراً ما قاتلت جنباً إلى جنب، لكنهم الآن يجب أن يكونوا قادرين على تقاسم المعدات، ومعرفة أن مدافع جيش ما يمكنها إطلاق قذائف جيش آخر، وقد وضع مخططو التحالف معايير المعدات، وعملوا على ضمان عملها بشكل متبادل، ولكن حتى بالنسبة لواحدة من أبسط معايير الناتو، وهي قذائف المدفعية من عيار 155 ملم، فإن الأعضاء ينتجون 14 نموذجا مختلفا، حسبما أوضح باور.