تسلّم لبنان رسمياً، عبر السفير الفرنسي في بيروت هيرفي ماغرو، المقترح الفرنسي لمعالجة الوضع في جنوب لبنان وخفض التصعيد على جانبي الحدود بين «حزب الله» من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
وبحسب ما تؤكد مصادر رسمية لـ «الجريدة»، فإن الورقة أصبحت تشبه، الى حدّ بعيد، وقريبة جداً من المقترح الأميركي، وهي تنص على تجزئة الحل الى ثلاث مراحل، الأولى تبدأ بوقف إطلاق النار وإلغاء المظاهر المسلحة ووقف الأنشطة العسكرية، والثانية تنص على إعادة السكان من الجانبين وتعزيز دخول الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، والثالثة تشمل إطلاق مفاوضات لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
على الرغم من التقارب في المضمون بين الورقتين الأميركية والفرنسية، فإن هناك اختلافات ضمنية، لا سيما أن واشنطن تربط ما يجري في لبنان بحرب غزة، وهناك قناعة لدى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بأنه لن يحصل أي تقدم في لبنان قبل وقف إطلاق النار في غزة. أما الفرنسيون فيعتبرون أنه يجب التحرك بشكل يفصل لبنان عن غزة لأن الأمور قد تتطور الى ما هو أسوأ، وأنه لا بد من تحضير الأرضية اللازمة للاتفاق الذي يفترض أن يتم تكريسه وإرساؤه مع الوصول الى لحظة وقف الحرب على غزة.
ما تتضمنه الورقة الفرنسية أيضاً، هو الإشارة الى استعادة «تفاهم نيسان» الذي انهى حرب «عناقيد الغضب» الإسرائيلية على «حزب الله» في 1996، بما في ذلك حماية المدنيين من الجانبين ووقف أي أعمال عسكرية قد تطالهم، وإرساء هدنة، وتشكيل لجنة دولية تضم أميركا، وفرنسا، ولبنان وإسرائيل للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701.
واستعادة صيغة «تفاهم نيسان» تخلق تضارباً في لبنان، لا سيما أن هناك من يعتبر أن التفاهم تضمن اعترافاً دولياً بدور «حزب الله» في المقاومة، وهذا يثير اعتراضات محلية وخارجية وهناك من يصفه بأنه نقطة ضعف في الورقة الفرنسية. إلا أن باريس تتمسك به لأنها تعتبر تفاهم نيسان أحد المعابر الذي مكنها من لعب دور بارز على الساحة اللبنانية، وحالياً تريد باريس تعزيز دورها بعد اخفاقات كثيرة، وتعتبر أن اي دور في الجنوب لا بد أن يكون له تأثير وارتباط وانعكاس في ملف التنقيب عن النفط وفي الملفات السياسية الأخرى.
ومن يعترض على إحياء «تفاهم نيسان» يعتبر أنه محاولة لتشريع دور «حزب الله»، الأمر الذي لا تراه مصادر أخرى بالواقعي، لأنه في عام 1996 لم يكن الحزب على لوائح الارهاب الاميركية والأوروبية، في حين الجو اليوم على المستوى الدولي مختلف كلياً، ولم تكن قد صدرت قرارات دولية مثل القرارين 1559 و1701، وعندما يكون هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي تتقدم على ما عداها من تفاهمات.
عملياً وبعيداً من كل التفاصيل فإن الحل في لبنان أصبح ينتظر مسار الحرب على غزة ومسار التسوية في المنطقة كله، لا سيما في ظل اللقاءات التي اجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في السعودية وكلامه عن تقدم في المفاوضات حول اتفاق أمني مع السعودية، ويدل ذلك على استمرار محاولة إنتاج حل يقوم على التطبيع مقابل وقف الحرب وبدء الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لإرساء تسوية وتفاهم يشمل المنطقة كلها.