أثارت مذكرات وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، تحت عنوان «لا تعطي شبراً»، غضب المسؤولين الصينيين، وفي مقدمتهم الرئيس شي جينبينغ، لاسيما عندما أكد أنه على الولايات المتحدة أن «تمنح اعترافاً دبلوماسياً كاملاً» لتايوان، فيما تستعد بكين لمباراة عودة ضد دونالد ترامب، في حال فوزه بالانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، وفق ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وتنفست الصين الصعداء عندما غادر ترامب منصبه في عام 2020، حيث نشرت وكالة «شينخوا» الرسمية تغريدة جريئة، قالت فيها «بئس المصير يا دونالد ترامب!»، فيما يستعد المسؤولون الصينيون إلى «دراما حرب تجارية جديدة» بين بكين وواشنطن في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
حرب تجارية
في هذا الصدد، قال مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون للأبحاث بواشنطن، يون سون، إن «الصينيين يعتقدون أنه إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الجانب الإيجابي في العلاقة بين البلدين سيكون محدوداً، مقابل جانب سلبي مطلق»، فيما عينت وزارات الخارجية والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا الصينية، مسؤولين ليراقبوا الانتخابات الأميركية، مع التركيز على معسكر ترامب حسب الصحيفة الاميركية.
ويتمثل أحد مخاوف بكين المباشرة في احتمال نشوب حرب تجارية جديدة مع الولايات المتحدة، حيث تعمل الشركات الصينية على تسريع جهودها لتوسيع وصولها إلى أسواق التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في مناطق مثل الشرق الأوسط، خوفاً من أن يؤدي فوز ترامب إلى جولة جديدة من العقوبات التكنولوجية ضد الصين.
وعلى الرغم من الدعوات الغربية لوقف ما يقولون، إنه إغراق للأسواق العالمية بالسلع الرخيصة، تعتزم الصين تعزيز هذا المسار، حيث يرى المسؤولون في بكين أن هذه هي أفضل طريقة للتفوق على الولايات المتحدة، خصوصاً إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
وتتخوف بكين من أن يسعى ترامب إلى التقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما يضعف العلاقة بين الصين وروسيا، الشريك الذي يعول عليه الصينيون في مواجهة الغرب. والأسوأ من ذلك، كما يحذر بعض الاستراتيجيين في الصين، أن يحاول ترامب تأليب موسكو ضد بكين.
ودخلت علاقات بكين مع واشنطن فترة من الهدوء النسبي منذ لقاء بايدن وشي في نوفمبر الماضي، في قمة هدفت لكسر الجمود الدبلوماسي بعد إسقاط واشنطن بالون تجسس صيني فوق أميركا العام الماضي. وأوضح مدير مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية، ريك ووترز أن «الصينيين يعرفون ما لا يحبونه في بايدن، لكنهم يقدرون جهوده لمحاولة تحقيق الاستقرار في العلاقة» بين البلدين.
لكن ورغم إنشاء عشرات مجموعات العمل لاستئناف المحادثات التجارية والسياسية، والمكالمة الهاتفية الأخيرة بين بايدن وشي، فإن المفاوضات قليلة، حيث أكد مسؤولون أميركيون أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للوصول إلى محادثات ذات أهمية أكبر.
تجربة سيئة
لقد أدى فوز ترامب المفاجئ في عام 2016 إلى قلب استراتيجية الولايات المتحدة الاقتصادية مع الصين. واعتقدت بكين في البداية أن حديث ترامب الصارم يخفي خوفاً من القوة الاقتصادية الصينية، لكنه فرض في 2018 تعريفات جمركية لإجبار الصين على تغيير ممارساتها الاقتصادية، ردت عليها بكين بالمثل، معتقدة أن رجل الأعمال الذي أصبح رئيساً سيتراجع في النهاية.
وانتهى الأمر بعد تصعيد متبادل بارتفاع الرسوم الأميركية على الواردات الصينية إلى أربعة أضعاف من 3% إلى 12% في المتوسط خلال فترة ولاية ترامب الأولى. ووجد الصينيون أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع صانع صفقات غريب الأطوار باستخدام ضغوط شديدة لانتزاع تنازلات من بكين.
في هذا السياق، قال ليو جيان تشاو، وهو دبلوماسي بارز في الحزب الشيوعي، ويُنظر إليه على أنه وزير الخارجية المقبل، في جلسة مغلقة مع مؤسسات بحثية أميركية «في عهد ترامب، كانت لنا تجربة سيئة»، فيما كشف بحث أجراه اقتصاديون من جامعات صينية أن الشركات الصينية خفضت صادراتها إلى الولايات المتحدة، وقلّصت التوظيف، واستغنت عن المشاريع الجديدة، مؤكدين أن الناتج المحلي الإجمالي للصين تكبّد خسائر بسبب الحرب التجارية أكثر من الولايات المتحدة بثلاث مرات.
وفي واشنطن، حقق موقف ترامب العدواني تجاه الصين نجاحاً كبيراً. ومنذ ذلك الحين، نشأ إجماع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي على أن تعامل الولايات المتحدة السابق مع بكين قد فشل في تحقيق هدفه بدفع الصين لتبني نهج اقتصادي يعتمد بشكل أكبر على السوق.
ومع ذلك، لم تحقق حرب ترامب التجارية أهدافها الرئيسية، حيث ركزت اتفاقية المرحلة الأولى التجارية التي وقعها البلدان في أوائل 2020 على تعهد الصين بزيادة مشترياتها من السلع والخدمات الأميركية بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين. ووفقاً لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فقد تخلفت بكين عن الوفاء بالتزاماتها بنسبة 40%. كما لم تحصل الولايات المتحدة على الإصلاحات الأساسية للسياسات الاقتصادية الصينية التي سعت إليها، مثل خفض الدعم الحكومي الذي يمنح الشركات الصينية ميزة على منافسيها الأجانب.
عقوبات تكنولوجية
وتتوقع الصين أن يفرض ترامب، في حال عودته للبيت الأبيض، رسوماً جمركية على قطاع التكنولوجيا المتقدمة. وكشف تقرير بحثي أصدره خبير الصين وصناعة أشباه الموصلات وكبير مستشاري مؤسسة راند، جيمي جودريتش أن الحكومة الصينية تحاول تعميق التعاون في مجالات التكنولوجيا الحيوية والحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي مع معهد الابتكار التكنولوجي في أبو ظبي.
كما قامت الصين بتحويل تجارتها بعيداً عن الولايات المتحدة، حيث أظهر تقرير لمعهد ماكينزي العالمي أن الاقتصادات النامية، بما في ذلك روسيا، شكلت أكثر من نصف تجارة السلع الصينية في العام الماضي، ارتفاعا من 42% في عام 2017.
بكين تجرّب «فوجيان» أكبر سفنها و«الحاملة» الثالثة
أبحرت حاملة الطائرات الصينية «فوجيان» إلى عرض البحر لإجراء تجاربها الأولى أمس، ما يمثل خطوة رئيسية بتعزيز البحرية الصينية، في إطار سعي بكين لترسيخ وجودها بالمحيط الهادئ وأبعد منه.
«فوجيان» ثالث حاملة طائرات صينية بعد لياونينغ وشاندونغ، وأكبر سفينة تابعة للبحرية الصينية على الإطلاق.
وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إن السفينة، التي غادرت حوض جيانغنان لبناء السفن بشرق شنغهاي صباحا، ستجري تجارب لكي «تختبر مدى الثقة بحاملة الطائرات واستقرار أنظمة الدفع وأنظمتها الكهربائية».
وكان قد تم تدشين السفينة وتسميتها رسمياً في يونيو 2022.
وعززت الصين قواتها البحرية على نحو كبير في السنوات الأخيرة مع سعيها لتوسيع نطاق تواجدها بالمحيط الهادئ، وتحدي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وتصاعد التوتر بشكل ملحوظ في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، حيث تؤكد الصين أحقيتها بالسيادة عليه بالكامل تقريبا، وفي محيط جزيرة تايوان ذات الحكم الذاتي حيث نشرت حاملة الطائرات شاندونغ.
ووصف تقرير أصدرته خدمة أبحاث الكونغرس في يناير نقلا عن وزارة الدفاع، قوات البحرية الصينية بأنها الأكبر في العالم، متوقعاً أن تنمو لتضم 435 سفينة بحلول 2030.