شدد الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمس على أن «النظام يجب أن يسود» في ظل الاحتجاجات التي تشهدها الجامعات في الولايات المتحدة، على خلفية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
وقال بايدن، الذي لزم الصمت طويلاً حيال هذه التحركات، في خطاب متلفز من البيت الأبيض، إنه «لا مكان» لمعاداة السامية في الجامعات الأميركية، لكنه أكد في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة «ليست أمة تُسكِت الناس».
وقال بايدن إن الحكومة الأميركية لن تقبل بالعنف، مشيرا إلى ضرورة التعامل مع الاحتجاجات وفق القانون، ولافتا إلى أن إتلاف الممتلكات العامة ليس حرية تعبير.
وذكر أن الاحتجاجات لن تجبره على تغيير سياساته، وأن الحرس الوطني لا يجب أن يتدخل في الانتخابات، في وقت قال دونالد ترامب، منافسه الجمهوري بانتخابات الرئاسة في نوفمبر، إنه استمتع بمشاهدة شرطة نيويورك وهي تداهم مبنى في جامعة كولومبيا تحصن فيه طلاب مناصرون للفلسطينيين، واصفاً هؤلاء بأنهم «طائشون غاضبون ومتعاطفون مع حماس».
ولم يتحدث بايدن علنا إلا مرة واحدة وباقتضاب عن التظاهرات، وقال في 22 أبريل المنصرم: «أدين مظاهر معاداة السامية، وأدين أيضا أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث للفلسطينيين».
وانتقد ترامب (77 عاما) صمت منافسه، وقال خلال تجمع انتخابي: «هناك بلبلة كبيرة في بلادنا، وهو (بايدن) لا يقول شيئاً»، داعيا رؤساء الجامعات إلى «استرداد الحرم الجامعي»، وحذر مناصريه من أن «بلداتكم وقراكم ستقبل الآن أفرادا من غزة»، في إشارة إلى تقارير إعلامية عن خطط إدارة بايدن لقبول لاجئين من غزة.
ودانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، أمس الأول، «النسبة الصغيرة من الطلاب الذين يسببون الفوضى» بعد ليلة من الاشتباكات والاعتقالات في بعض الجامعات، مشيرة إلى «حق الطلاب في الذهاب إلى الفصل والشعور بالأمان»، وأضافت: «يجب علينا إدانة معاداة السامية»، لكنها أقرت أن الحرب في غزة «لحظة مؤلمة»، مؤكدة أن بايدن يدعم الحق في الاحتجاج السلمي.
تعريف معاداة السامية
وصوّت مجلس النواب الأميركي أمس الأول لمصلحة توسيع التعريف المعتمد في وزارة التعليم لمصطلح معاداة السامية، في خطوة لا تزال بحاجة إلى أن يقرها مجلس الشيوخ قبل توقيع بايدن عليها.
ووفقاً لهذا التعريف فإن «معاداة السامية هي تصور معين لليهود يمكن أن يتجلى بكراهية تجاههم. تستهدف المظاهر الخطابية والمادية لمعاداة السامية أفراداً يهوداً أو غير يهود و/أو ممتلكاتهم ومؤسسات مجتمعية وأماكن عبادة»، وانتقد الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ أمس الجامعات الأميركية.
وقال هرتسوغ، في بيان داعم للطلاب اليهود في الجامعات الأميركية، «نرى المؤسسات الأكاديمية البارزة وقاعات التاريخ والثقافة والتعليم ملوثة بالكراهية ومعاداة السامية التي تغذيها الغطرسة والجهل... نشاهد ذلك برعب، بينما يتم الاحتفال بالأعمال الوحشية التي وقعت في السابع من أكتوبر ضد إسرائيل وتبريرها».
تأثير انتخابي؟
ويرى أليكس كينا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا كومنولث يونيفرسيتي، أن «الاحتجاجات وضعت بايدن في موقف حساس، لأنه اعتمد كثيرا للفوز في عام 2020 على الشباب، وعلى المسلمين والأميركيين من أصل عربي»، لكن جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي، يقدر أن البيت الأبيض «على ما يبدو مقتنع بأنه سيصمد أمام هذه العاصفة وسينتصر رغم كل شيء على ترامب».
وأظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة هارفارد في منتصف أبريل الماضي، أن بايدن يحظى بأفضلية بين الأميركيين تحت سن الثلاثين: 45% من نوايا التصويت مقابل 37% لدونالد ترامب، بفارق 8 نقاط مئوية. وفي ربيع عام 2020 كان الديموقراطي يتقدم بـ23 نقطة على خصمه الجمهوري.
شبح فيتنام
ومن المنتظر أن يرشح الحزب بايدن رسميا في أغسطس في شيكاغو. وفي عام 1968، انعقد في المدينة مؤتمر ديموقراطي سادته الفوضى على خلفية التظاهرات ضد حرب فيتنام، بعد فترة وجيزة من تخلي الرئيس المنتهية ولايته ليندون جونسون عن الترشح. حينذاك، نأى بايدن عندما كان طالب قانون بنفسه عن الاحتجاجات. وفي كتاب نشره عام 2007، يستذكر رؤيته طلابا يحتلون مبنى في جامعته في سيراكيوز وتعليقه «انظر إلى هؤلاء الحمقى».
وقالت المؤرخة في جامعة هارفرد جولي روبن، التي عملت على النشاط الطلابي، إن «الانقسامات العميقة المشحونة بالمشاعر» بشأن غزة، فضلا عن استعانة بعض الجامعات بالشرطة للتدخل في حرمها، تذكر ببعض جوانب التظاهرات الطلابية احتجاجا على حرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات.
تفكيك مخيمات
وفيما يستعد مئات من أفراد الشرطة، وهم يرتدون خوذات واقية، لاقتحام حرم جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، استعدادا لإزالة مخيم احتجاج مؤيد للفلسطينيين هاجمه مؤيدون لإسرائيل في الليلة السابقة، فككت الشرطة مخيما احتجاجيا في جامعة تكساس في دالاس، ومخيمات أخرى في جامعتي أريزونا في توسون (جنوب غرب) وويسكنسن ماديسون (شمال)، وأوقفت سلطات إنفاذ القانون الكثير من الأشخاص في جامعة فوردهام في نيويورك، وأخلت مخيما نصب صباحا في الحرم الجامعي.
فرنسا
وفي فرنسا، طلبت وزيرة التعليم العالي سيلفي ريتايو من رؤساء الجامعات «استخدام أقصى حد من الصلاحيات التي يمنحها لهم قانون التعليم»، لا سيما فيما يتعلق بالعقوبات التأديبية أو استدعاء قوات الأمن، لضمان «الحفاظ على النظام» في مواجهة التعبئة الرافضة للحرب في غزة.
كما طلبت «ضمان... تعددية التعبير» داخل الجامعات، مضيفة أنه من الممكن فرض «حظر مؤقت على الدخول إلى المؤسسة» على الطلاب الذين يهددون غيرهم، وقالت إنه «لا سبيل لأن تتخذ الجامعات موقفا مؤسسيا لمصلحة هذا الطرف أو ذاك» في الصراع الدائر بالشرق الأوسط، في إشارة إلى مطالب بإلغاء «شراكات الكليات مع الجامعات والمنظمات الداعمة لدولة إسرائيل».