بقايا خيال: «وين رايح هذا العالم الاجتماعي؟»
ما إن أركب الطائرة حتى أردد «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ»، ثم أختمها بالحديث النبوي الشريف «اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل».
لقد تعودنا على هذا الأسلوب لأننا نعرف أن كل طائرة أو سيارة أو سفينة تحتمل أن تواجه حادثاً أو خطراً ما بدرجات متفاوتة حسب الظروف المناخية وصلاحية وسيلة النقل، ولهذا عندما أنوي الخروج من منزلي أقول «توكلت على الله»، لأنني لا أعرف مدى نجاحي في مسعاي، ولا أضمن سلامة عودتي إلى بيتي.
وعندما أعود أقول «السلام عليكم» حتى لو لم يكن أحد في البيت، تطبيقاً لقول الله عز وجل «فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، وإذا كنا نحرص أشد الحرص على قيادة السيارة البسيطة في صنعها بحرفنة لتفادي الحوادث، ويذكرنا خبراء المرور بمبدأ «توقع ما هو غير متوقع» على الطرقات بأي لحظة، ويفرضون على قائدي المركبات عدم استخدام التلفون وضرورة ربط أحزمة الأمان أثناء القيادة، فما بالك بطائرة ضخمة معقدة في صنعها ومعلقة بين السماء والأرض، ويتحكم في مسارها عدة أبراج مراقبة أرضية في كل دولة من الدول التي تمر فوقها الطائرة، وتمر كل طائرة على تضاريس جوية مرعبة ومناخات خطرة؟ ورغم ذلك تقع حوادث طيران مفجعة يروح ضحيتها آلاف الأرواح، لتتأكد حقيقة واحدة ألا وهي «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ».
وإذا لم تكن الطائرات خطرة لهذه الدرجة فلماذا يحرص طاقم الطائرة على تقديم شرح تفصيلي للركاب حول أساليب الوقاية من حوادث الطيران قبل أن تطير الطائرة؟ فأين الأمان في أساليب النقل هذه؟ وإذا كان الواحد منا لا يأمن من السقوط على وجهه أثناء المشي، فكيف بطائرة؟
أقول هذا لأنني قبل أيام شاهدت مقطع فيديو لبروفيسور في علم الاجتماع كان يستهزئ من ترديد طاقم الطائرة الكويتية والركاب للآية القرآنية الكريمة والحديث النبوي الشريف الخاصين بركوب الطائرة قبل تحرك الطائرة من مكانها، معتقداً أن جماعة لجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة هي التي فرضت مثل هذه «الطقوس الدينية المتشددة» على الخطوط الجوية الكويتية لترهيب الناس، وكأنه لا يدري أن هذه الآية والحديث النبوي الشريف متعارف عليهما منذ الثمانينيات قبل أن يختلق المتأسلمون اللجنة البرلمانية للظواهر السلبية.
أنا أعرف أنه «يخشى الله من عباده العلماء»، وأعرف أن هذا العالم المستهزئ ترأس من قبل مطبوعات يومية وشهرية داخل الكويت وخارجها، ولهذا يفترض بأي رئيس تحرير لأي مطبوعة رصينة أن يتسلح بالعلم الغزير ليواجه سيول العلوم التي تصب في مطبوعته كل يوم وعلى مدار السنة، فكيف غابت عن ذهنه مثل هذه الآية والحديث الشريف؟ وكيف نسي حتى اسم لجنة الظواهر السلبية، وهو الذي أقحم نفسه بالسياسة؟ الله أعلم، لكن ما أعرفه أنه فتح لنفسه ولنا أيضاً أبواباً ليتفلسف المتأسلمون ويدعوا أن هذا هو ديدن الليبراليين والعلمانيين، ونحن في الواقع «لا مع دول ولا مع دول».