تطور دول الخليج يفضح عجزنا وتخلفنا!!
أصبح مستقراً في يقيننا أن المشاريع الحيوية الضخمة مستحيلة التنفيذ، فلا تجدي الكتابة عنها، ولن تثمر كل الخطب لأن هذا النوع والحجم من المشروعات يقع في منطقة ما يُعرَف غير المُفكَّر فيه لدى الحكومة بعد أن ظل لعقود قابعاً في دائرة المستحيل العملي، حيث وضعت صنوف العراقيل ومورست أفانين الشعوذات التبريرية، فأصبحت أثمان الأراضي الآن بحجم 400 متر مربع بمئات الآلاف وتضاعفت تكلفة البناء والمواد الإنشائية وسط إصرار شعبي مزعوم ومفتعل بأن تكون مساحة البيت لا تقل عن 400 متر مربع، وتأكيد خيار منح الأرض والقرض مما لا تملك الدولة عُشر معشاره في الموازنات المتعاقبة لأن الإيرادات النفطية، وهي تشكل ما مجموعه 93% من مصادر الدخل، ومعها الإيرادات الأخرى البالغة حسب آخر الموازنات 2 مليار، تذهب كلها لتمويل الرواتب لبطالة مقنعة وصلت إلى 80% إضافة للدعوم فقط، مما نجم عنها عجز حقيقي يبلغ 5 مليارات، وعجز حكومي عن الشروع في تجديد وصيانة المرافق القائمة، مما زاد تآكلها وعجزها عن استيعاب الضغط الاستهلاكي المتزايد عليها، ووصل الأمر مؤخرا إلى عجز محطات الكهرباء عن مواكبة الاستهلاك المتزايد، وفرض قطعها عن بعض المناطق، كما عجز القطاع الحكومي العام عن استيعاب الخريجين الجُدُد والعجز الحكومي عن بناء المساكن لطلبات السكن المتراكمة البالغة 150 ألفا، والعجز الحكومي عن مباشرة خلق المشاريع الاقتصادية التي تُسفر عن تنويع مصادر الدخل، وعن حل تعديل خلل التركيبة السكانية المدمرة، ومعالجة تراجع مستوى الخدمات التعليمية، وأخيراً العجز عن إصلاح الطرق وإيقاف الفوضى المرورية ونسبة الحوادث القاتلة ناهيكم عن التراجع المخزي في الرياضة التي كانت لنا فيها الريادة.
ولكن ما فضح عجزنا وكشف سوءتنا الحضارية تمثل فيما تحقق في المملكة العربية السعودية، وقطر، ودبي فنرى كيف تنفذ المشروعات لحل كل ما سبق بسرعة فائقة، وعلى أحدث الطرق، ووفق أسهل الإجراءات، فتُبني جامعة نورة التي هي ضعف جامعة الشدادية وفيها مرافق وميترو لا تتضمنها جامعتنا، كل هذا المشروع ينتهي في سنتين، ونحن يستغرق لدينا منذ بدء التنفيذ 14 سنة، مشروع البوليفارد يستغرق في الرياض عشرة شهور، ومشاريع المدن الإسكانية الفائقة الروعة والتطور التي تحتوي الواحدة منها على ما يزيد على عشرة آلاف وحدة سكنية يتم الانتهاء منها وتوزيعها خلال ثلاث سنوات، مثل مشروع الخزام، ومشروع الفرسان في الرياض، ولا نحدثكم عن قطر التي اخترقت جدار المستحيل فقد بدأت من نقطة الصفر لخلق متطلبات إقامة مباريات كأس العالم، فتنجح شكلاً ومضمونا في إقامة المباريات موفرةً كل متطلبات استضافة المباريات، وتمكنت من استضافة أول نسخة عربية من المونديال.
وأُنفقت معظم هذه الأموال على إنشاء بنية تحتية، مثل شبكة جديدة للمترو في الدوحة ومطار دولي وطرق جديدة، فضلا عن بناء نحو 100 فندق ومرافق ترفيهية، ووصف رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، البطولة بأنها «أفضل كأس عالم في التاريخ»، وأوضح أن «الإيرادات المالية للنسخة الحالية بلغت 7 مليارات ونصف المليار دولار، بزيادة قدرها مليار دولار عن النسخة السابقة في مونديال روسيا 2018».
وتشير أرقام (فيفا) إلى أن عدد من تابعوا مباريات كأس العالم قطر 2022، عبر شاشات التلفاز والوسائط الرقمية، بلغ نحو 5 مليارات مشاهد، أما دبي فتحولت إلى معجزة عالمية يحلم السياح في كل أجزاء العالم بزيارتها، فقد انشق بر دبي خلال سنوات قليلة عن مشروعات سياحية وسكنية واقتصادية وتجارية وطرق ووسائل نقل وخدمات وشبكات جعلت الشركات العالمية الكبرى في مختلف الصناعات وأشكال التكنولوجيا والخدمات تزحف إليها وتستوطن فيها.
أين وصلوا وأين وصلنا؟!