للتعليم التطبيقي والتسريب

نشر في 03-05-2024
آخر تحديث 02-05-2024 | 18:34
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

سألتُ أحد أساتذة التعليم التطبيقي عن سبب تدهور مستوى التعليم، فأجاب قائلاً: أنا لن أتكلم عن جميع الأسباب، ولكني سأعطيك مثالاً واحداً قد يوضح لك جانباً من سوء مسار العملية التعليمية.

يقول: قبل أكثر من 35 سنة عندما كنت طالباً في ثانوية صباح السالم للمقررات، دخلت قسم الموسيقى لأسجل مادة اختيارية من مقرراتهم، فأجروا لي اختباراً للقدرات، ليتأكدوا من وجود الموهبة، لأن المقاعد محدودة، والمادة عملية ولا تتحمل أكثر من أربعة طلاب في كل شعبة، وفي نهاية «الكورس» يختار التوجيه الفريق الأفضل للتنافس مع المدارس الأخرى للفوز بجائزة المنطقة.

أما الآن كما ترى، فقد كثر التسيب والاستهانة بالدراسة بشكل عام، وزاد الاستخفاف بالمواد الفنية والاختيارية، «التي تحمل هوية البلد»، وصارت كلية التربية الأساسية التي تُخرّج معلّمين، لا تهتم بمخرجاتها كما ينبغي ولا بجودة التعليم، وأصبح التسجيل في التربية الموسيقية والفنية والبدنية متاحاً للجميع، بمعدلات متدنية وبدون اختبار قدرات، وتكدّست القاعات الدراسية، وزاد الضغط على الأساتذة.

ولهذا السبب صرنا نرى معلمي تربية فنية لا يجيدون الرسم، ومعلمي موسيقى لا يعزفون، ومعلمي بدنية بالجملة، وكل سنة تزداد دائرة الاستخفاف بهذا الموضوع، وأصبحت كلية التربية كلية من أراد شهادة بمجهود «شكلي»، إذ لا تحتاج إلى التنافس، والنجاح فيها كشرب الماء، لأن بعض الأساتذة «آخر همه» التدريس، وقد ينجح الطالب بالمعارف، أو باتصال هاتفي من أحد الأعضاء، ثم ندّعي أننا نحارب الشهادات الوهمية!

يا حضرات المسؤولين، إن هيئة التطبيقي لا تستطيع استيعاب كل هذه الأعداد، وليست جديرة بأن تتزعم مخرجات التربية وحدها، ولهذا أقترح على وزارة التعليم العالي الاستعانة بالجامعات الخاصة لفتح التخصصات التربوية والفنية، لأنها أثبتت تفوقها الأكاديمي على الجامعات الحكومية بتصنيف متقدم.

ولا ننسى الاستعانة بمعلمي وزارة التربية من حملة الماجستير والدكتوراه، فهم برأيي أكثر خبرة من محاضري الجامعات الذين لم يمارسوا مهنة التدريس في المدارس الحكومية، لأن نقل الخبرات العملية والتعليمية لطلبة التربية من ميدان الواقع ليس كالتّنظير المأخوذ من الدراسات الأجنبية التي قد لا تمت للواقع العربي بصلة، والاختبار العملي أو الانتداب للتدريس في الجامعة كفيل بإثبات كفاءة المتقدم وجديته في العطاء.

أعزائي القرّاء، إن من أهم أسباب ضعف جودة التعليم الأمان الوظيفي الذي توفره الجامعة و«التطبيقي» لأعضاء هيئة التدريس، فليس كل من أُرسل إلى بعثة دراسية جاء بعلم وذمة وضمير ورغبة عالية في التعليم، فمنهم من جعل هذه المميزات درعاً قانونية له، للاسترخاء والتمتع بها، وعَلِم أنه ثابت في مكانه حتى إن لم يُدرّس كما يرضي الله، فالتسريح صعب والرقابة ضعيفة، ولهذا السبب أرى أن أغلب الجامعات الخاصة أكثر صرامة في هذا الجانب من الجامعة و«التطبيقي».

في الختام، أرجو أن ترفع الجامعات الحكومية نسب القبول في الكليات التربوية، وتحدد المقاعد، وتطبق اختبارات القدرات في كل التخصصات، وتُعزز قدرة الكليات التربوية، فإن الاستثمار في المُعلّم استثمار في الوطن.

back to top