التنوع في الطبيعة البشرية وآثاره على العملية التربوية
اقتضت مشيئة الله أن يجعل البشر مختلفين في طباعهم وقدراتهم وميولهم، قال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...». (هود 118-119).
يرى المفسرون أن الله لو أراد لهدى الناس جميعا إلى دينه، فالله لا يعجزه شيء، ولكنه سبحانه أعطاهم حرية الاختيار ليحاسبهم على حسن اختيارهم، وهناك آيات أخرى توضح أن البشر يختلفون في أمور كثيرة، وجعل الله هذا الاختلاف والتنوع بين البشر آية من آياته الكونية، وذلك في مثل قوله جل وعلا: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ»، فالبشر مختلفون في ألوانهم ولغاتهم وثقافتهم، وحاول العلماء وخصوصاً المهتمين بشؤون العلم والمعرفة، الاستفادة من هذا الاختلاف والتنوع بين البشر، لتطوير الثقافة والحياة العلمية.
فكيف نستفيد من هذا التنوع بين البشر لتطوير النظام التربوي والتعليمي؟ أثبتت نتائج كثير من الدراسات التي أجراها متخصصون في علم النمو لدى الإنسان أن الفروق الفردية بين الأطفال لا تتضح في الغالب إلا عند بلوغ الطفل سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، لذلك يرون أن يقدم لجميع أبناء المجتمع في هذه المرحلة الأولى، تعليماً إلزامياً وموحداً، وأن تشتمل العملية التربوية في تلك المرحلة، على برامج وأنشطة تربوية منوعة، قادرة على الكشف عن الميول المهنية والتعليمية لدى المتعلمين وتنميتها، ومن ثم توجيههم إلى نوع التعليم والعمل المناسب لتلك القدرات والميول، على أن يتم توجيه الطلبة من تربويين متخصصين في هذا المجال.
ومن حسن الحظ أن هذا التنوع لدى الإنسان يقابله تنوع في المهن التي يحتاجها المجتمع، فالمجتمع بحاجة إلى مدرسين، والمدرسون أنفسهم يختلفون في تخصصاتهم، فهناك حاجة لمدرس اللغة العربية وآخر للغة الإنكليزية وآخر للرياضيات والعلوم الطبيعية والتكنولوجبا والهندسة، والهندسة نفسها تتفرع في التعليم العالي إلى تخصصات كثيرة، مثل الهندسة المدنية والكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية والبترول والطيران المدني والعسكري، وكذلك المجتمع بحاجة إلى الأطباء، ومهنة الطب تتفرع نفسها إلى تخصصات كثيرة، كطب الأسنان والعيون والأعصاب والعظام والجراحة، والأورام والقلب، وكل تخصص من هذه التخصصات الطبية يشتمل على تخصصات أخرى.
أو لعلنا نستنتج من هذا كله أن الثقافة المعاصرة والتطور في الثقافة التكنولوجيا، أدى وسيؤدي إلى ظهور مهن جديدة في الدولة، فيجب تطوير المناهج التعليمية بصفة مستمرة، لتلبي القدرات والميول التعليمية والمهنية المنوعة لدى جمهور المتعلمين، وكذلك لتلبي حاجات المجتمع للمهن المختلفة، ولتلاحق التطور السريع في الثقافة المعاصرة، ولكي لا يتخلف التعليم عن هذا التطور الثقافي والحضاري، نأمل أن تتعاون السلطة التشريعية مع الحكومة لتطوير النظام التربوي وإصلاحه، بدلاً من اهتمامها بتبذير أموال الدولة والتفريط في هويتنا الوطنية.