مما لا شك فيه أن المنافسة هي حجر الزاوية للتقدم والابتكار في مختلف جوانب الحياة، حيث إنه يدفع الأفراد والمنظمات إلى التحسن والتطور المستمر، مما ينعكس إيجابا على مستويات عدة. فالمنافسة تحفّز الأفراد والجماعات على تجاوز الأفكار التقليدية الى أفكار جديدة ابتكارية وأكثر إبداعا.
لذلك نجد أن الدول التي لديها بيئة تشريعية توفر حماية كاملة للتنافسية دائما ما تكون بيئة مثالية للابتكار والإبداع في شتى المجالات. وهذا ليس كل شيء، حيث نجد أيضا هذه البيئة المكرسة التنافسية مرتبطة دائما بجودة خدمات أفضل وأسعار سلع معتدلة. كذلك من مظاهر هذه الأسواق ذات التنافسية العالية وجود «تحديث دائم للتشريعات واللوائح والنظم» من أجل مواكبة أشكال التحايل والالتفاف على قوانينها من أجل السيطرة على السوق أو ارتكاب ممارسات تضر بالتنافسية.
هذه المقدمة المختصرة كان لا بُد منها للقارى الكريم من أجل الدخول في صلب الموضوع ألا وهو خبر شدني محتواه قبل أيام قليلة يخص قضية تم رفعها في الولايات المتحدة من قبل لجنة التجارة الفدرالية الأميركية، حيث رفعت دعوى قضائية لمنع صفقة بقيمة 8.5 مليارات دولار بسبب محاولة اندماج علامتَي «كوتش ومايكل كورس»، قائلة إن ذلك سيقضي على «المنافسة المباشرة» بين العلامات التجارية الرئيسية للشركتين اللتين تصنعان حقائب اليد الفاخرة!
نلاحظ هنا أن الجهة المعنية تتدخل للحفاظ على المنافسة لدرجة تصل الى رفع قضايا لمنع إتمام مثل تلك الصفقات.
هذا ليس كل شيء، الأكثر لفتا للانتباه أننا نتحدث عن استماتة للحفاظ على المنافسة في سوق او قطاع ملبوسات وتحديدا حقائب يد؟! ويأتي هذا الخبر رغم أن الولايات المتحدة تحتل المراكز الأولى في التنافسية على مستوى العالم، ومن زاوية أخرى يفسر كذلك لماذا تحتل تلك المراكز المتقدمة عالميا.
أيضا في السياق ذات، ولكن على المستوى الإقليمي أعلنت وزارة المالية السعودية قبل أيام قلائل، أنها تُجري عدداً من التعديلات على اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية، بهدف تسهيل أعمال الجهات الحكومية والقطاع الخاص، والوصول إلى أكبر عدد من الأسعار التنافسية، وتوفير احتياجات الجهات، وتطوير بيئة الأعمال في المملكة، علما بأن السعودية حققت المركز 17 في مؤشر التنافسية العالمي، مما يعكس رغبتها الجادة في «رفع تنافسية أسواقها» وعدم الرضا عن هذا المركز.
في المقابل، يقوم جهاز حماية المنافسة في الكويت بالموافقة على عمليات اندماج واستحواذ في قطاعات رئيسية وضرورية، رغم أن الكويت تحتل المركز 38 عالميا، ودونما أي شرح وتوضيح وبيانات تحتوي على إحصاءات وأرقام تبيّن الأثر المتوقع على التنافسية، ومبررات الموافقة.
يُذكر أن جهاز حماية المنافسة لا يقدّم، منذ تأسيسه، أي بيانات تاريخية إحصائية، حتى ولو بشكل عام، والتي يفترض أن تكون من بديهيات عمله ليبني عليها «مؤشرا يقيس من خلاله مستوى التنافسية»، وبالتالي يضع خططه واستراتيجياته.
وبناء على ما سبق، نطرح تساؤلات لمن هو مهتم ولمن لديه حسّ أدنى بالمسؤولية ممن يملك القرار: هل وجود هذا الجهاز أحدث فرقا ملموسا لدى المواطن، حيث تحسّنت جودة السلع والأسعار في الأسواق المحلية، وعلى الأقل الضرورية منها؟ أليس استمرار هذا الجهاز يشكّل عبئا إضافيا دون أي جدوى حقيقية؟