توقَّف بث قناة «الجزيرة» باللغتين العربية والإنكليزية في إسرائيل على أثر قرار صوّت عليه أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو بالإجماع أمس بإغلاق مكتبها، ومصادرة معدات وأجهزة البث، بعد تصاعد الخلاف بين الجانبين بشأن تغطية القناة القطرية لأحداث حرب غزة المتواصلة منذ 7 أشهر.

ودخل قرار الإغلاق حيز التنفيذ بعد ساعات من إعلان نتنياهو إغلاق «قناة التحريض» ضد الدولة العبرية لمدة 45 يوماً قابلة للتمديد، إضافة إلى عرقلة الوصول إلى موقع «الجزيرة نت» وحجبه.

Ad

ووصفت شبكة «الجزيرة» التي تتخذ من الدوحة مقراً لها، في بيان، قرار إغلاق مكاتبها بالخطوة الممعنة في التضليل والافتراء، موضحة أنه «من المفارقة أن تغلق حكومة الاحتلال مكاتب الجزيرة بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة».

وأضافت الشبكة أن «قمع إسرائيل للصحافة الحرة للتستر على جرائمها بقتل الصحافيين واعتقالهم لم يثننا عن أداء واجبنا»، مذكّرة بأن «أكثر من 140 صحافياً فلسطينياً استشهدوا في سبيل الحقيقة منذ بداية الحرب».

وجددت النفي القاطع لادعاءات إسرائيل الواهية «بشأن خرقنا الأطر المهنية الضابطة للعمل الإعلامي»، مؤكدة التزامها الثابت بالقيم الواردة في ميثاقها للشرف المهني.

وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن وزير الاتصالات شلومو كرعي سيوجه قائد المنطقة الوسطى بالضفة الغربية بأن يصدر أمراً يمنع بث القناة في المنطقة المحتلة.

وكانت أوساط عبرية أفادت بأن القرار الذي تم التصويت عليه أمس كان من المقرر أن يتم طرحه خلال جلسة عقدت الخميس الماضي، لكن «الموساد» أوصى بتأجيل الخطوة لتفادي الإضرار بجهود إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين التي تتوسط بها الدوحة، والتي اختتمت آخر جولاتها في القاهرة أمس، وسط حديث عن وصولها إلى طريق مسدود واحتمال اندلاع جولة جديدة من التصعيد.

وفي حين شددت «حماس» على تمسكها بضرورة تضمين أي اتفاق للتهدئة نصاً صريحاً بقبول وقف الحرب والانسحاب من القطاع، رفض نتنياهو الاستسلام لشروط الحركة، وأكد مواصلة القتال حتى تحقيق كل الأهداف.

وجاء ذلك في وقت أفادت صحيفة «معاريف» بأن نتنياهو بعث برسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يؤكد فيها أنه سيمضي في «استكمال الحرب وحيداً»، لو اضطر لذلك، رغم الضغوط التي تمارسها واشنطن عليه لمنعه من اجتياح رفح براً والمخاطرة بوقوع مذبحة بحق المدنيين وفوضى قد تمس الحدود المصرية.

وواكب انسداد قناة التفاوض تصعيداً ميدانياً بعد أن قصفت «كتائب حماس» محيط معبر كرم أبوسالم وقتلت جنديين إسرائيليين وهو ما ردت عليه سلطات الاحتلال بإغلاق شريان المساعدات الشحيحة التي تدخل للقطاع.

‏إلى ذلك، كشف مسؤولان إسرائيليان لموقع أكسيوس أن إدارة الرئيس جو بايدن أوقفت الأسبوع الماضي شحنة ذخيرة أميركية الصنع إلى إسرائيل.

‏وتعد هذه المرة الأولى منذ هجوم 7 أكتوبر التي توقف فيها الولايات المتحدة شحنة أسلحة كانت متجهة إلى الجيش الإسرائيلي.

‏وقال مسؤولون إسرائيليون إن الحادث أثار مخاوف جدية داخل الحكومة الإسرائيلية وجعل المسؤولين يتدافعون لفهم سبب احتجاز الشحنة.

‏ويواجه بايدن انتقادات حادة بين الأميركيين الذين يعارضون دعمه لإسرائيل، وطلبت الإدارة الأميركية في فبراير من إسرائيل تقديم ضمانات بأن الأسلحة الأميركية الصنع تستخدم من قبل القوات الإسرائيلية في غزة، بما يتوافق مع القانون الدولي، وقدمت إسرائيل خطاب ضمانات موقعاً في مارس.

وفي تفاصيل الخبر:

رغم استئناف مفاوضات «هدنة غزة» غير المباشرة بين «حماس» وإسرائيل بوساطة مصرية - قطرية - أميركية في القاهرة، لليوم الثاني على التوالي، أظهر طرفا الحرب الدائرة منذ 7 أشهر تصلّباً بمواقفهما، إذ أصرت «حماس» على ضرورة تضمُّن أي اتفاق مرحلي للتهدئة وتبادل المحتجزين وقفاً شاملاً للنار وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع الفلسطيني، وهو ما رفضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علانية، مع تأكيده المُضيّ بالمعركة حتى تحقيق النصر، في وقت تسبب قصف على معبر كرم أبوسالم البري بين إسرائيل وقطاع غزة في خلط أوراق، سواء فيما يخص المفاوضات الجارية في القاهرة أو ترتيبات مرور المساعدات الى القطاع.

وأكد رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية، أن «الحركة ما زالت حريصة على التوصل إلى اتفاق شامل ومترابط المراحل ينهي العدوان ويضمن الانسحاب ويحقق صفقة تبادل جدية للأسرى».

في موازاة ذلك، شدد مصدر قيادي بالحركة على أن «حماس» حريصة على التوصل إلى اتفاق «لكن ليس بأيّ ثمن»، مضيفاً أن الحركة لن تستسلم للضغوط وتقبل بأي اتفاق.

واعتبر أن نتنياهو يهدّد باجتياح رفح «للضغط وعرقلة التوصل إلى اتفاق، لحسابات شخصية»، مشدداً على أن اجتياح المدينة المكتظة بأكثر من 1.4 مليون نازح قرب الحدود المصرية «لن يكون نزهة، وسيدفع الاحتلال ثمناً غالياً لأية مغامرة قد يقدم عليها، وسيُمنَى بالفشل».

جاء ذلك فيما سرّبت تقارير عبرية معلومات تفيد بأن الحركة الفلسطينية تصرّ على نص مكتوب بشأن وقف إطلاق النار، ولا تكتفي فقط بضمانات أميركية شفهية حصلت عليها عبر الوسطاء بأن تنتهي فترة التهدئة الطويلة المطروحة ضمن اتفاق يشمل 3 مراحل، ويمتد لـ 126 يوماً بوقف القتال.

وعقّب نتنياهو على تمسّك الحركة بشروطها في محادثات القاهرة بالقول: «إسرائيل كانت ولا تزال مستعدة لعقد هدنة لتحرير مختطفينا. وهذا ما فعلناه عندما أطلقنا سراح 124 رهينة وعدنا للقتال، وهذا ما نحن مستعدون للقيام به اليوم بعد شوط طويل من المفاوضات التي أفضت لعرض سخيّ، كما وصفه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن».

وأضاف في كلمة مطولة: «لكن في حين أبدت إسرائيل هذا الاستعداد، ظلت حماس متحصنة في مواقفها المتطرفة، وأهمها المطالبة بسحب جميع قواتنا من القطاع، وإنهاء الحرب، وترك حماس معافاة. ولا يمكن لدولة إسرائيل أن تقبل بذلك. نحن لسنا مستعدين لقبول وضع تخرج فيه كتائب حماس من مخابئها، وتسيطر على غزة مرة أخرى، وتعيد بناء بنيتها التحتية العسكرية، وتعود إلى تهديد مواطني إسرائيل في البلدات المتاخمة لغلاف غزة وفي جميع أنحاء البلاد».

وتابع: «في هذه الحالة، فإن 7 أكتوبر المقبل هو مسألة وقت فقط»، في إشارة إلى هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنّته «حماس» وأطلق شرارة الحرب الحالية.

وشدد رئيس الائتلاف اليميني الحاكم على أنه لا يمكن «الاستسلام لمطالب حماس» التي ستكون «بمنزلة هزيمة فظيعة لدولة إسرائيل. وانتصاراً كبيراً لحماس، ولإيران، ولمحور الشر برمّته».

واعتبر أن القبول بذلك سيظهر إسرائيل بمظهر الضعف، ولن يؤدي إلا إلى تقريب الحرب المقبلة، وسيدفع اتفاق السلام المقبل إلى أبعد من ذلك. في إشارة على ما يبدو إلى مبادرة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى إقناع قادة الدولة العبرية بقبول مسار يسمح بإنهاء حرب غزة والتعهد بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع السعودية. واختتم حديثه بتأكيد أن إسرائيل لن تستسلم، وستواصل القتال حتى تحقيق كل أهدافها.

تفاؤل وتأييد

أتى ذلك بالتزامن مع كشف هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أمس، عن قيام رئيس وكالة المخابرات الأميركية بممارسة ضغوط على نتنياهو لإرسال وفد إلى القاهرة، وهو ما رفضه الأخير.

وعلى الرغم من ذلك، نقلت قناة القاهرة الإخبارية عن مصدر رفيع أن المفاوضات بشأن الهدنة التي يشارك بها مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، بشكل غير مباشر تحقق «تقدماً إيجابياً»، مشيراً إلى أن «ما يتم نشره من بنود الاتفاق في وسائل الإعلام غير دقيق». وكشف أن «عودة السكان الفلسطينيين المهجّرين من جنوب القطاع لشماله، من ضمن بنود الاتفاق».

جاء ذلك في وقت رأى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، الذي تمثّل بلده الداعم الرئيسي للفصائل الفلسطينية المسلحة أننا «نحن في أوضاع اليوم، زادت قليلاً احتمالية وقف الحرب بغزة أكثر من السابق»، معتبراً أن «إمكانیة وقف إطلاق النار زادت مقارنة بالماضي، بسبب المشاورات والجهود وضغوط الرأي العام في الساحة الإقليمية والدولية على الكيان الإسرائيلي».

وواكب التصلب العلني بشأن جهود التهدئة تصعيداً ميدانياً وصل إلى نقطة المثلث الحدودي بين غزة ومصر وإسرائيل، إذ قصفت «كتائب القسام» الجناح المسلح بقذائف المورتر منطقة تمركز لقوات إسرائيلية بمحيط معبر «كرم أبو سالم»، مما تسبب في جرح 10 جنود، 3 منهم بحالة خطيرة.

وفور وقوع الحادث استدعى الجيش الإسرائيلي طائرات مروحية لإجلاء الجرحى وأعلن إغلاق المعبر أمام دخول شاحنات المساعدات الشحيحية التي يسمح بمرورها عبره، فيما طالب عضو «الكنيست»، أفيغدور ليبرمان، بإغلاق كل المعابر مع القطاع الفلسطيني المحاصر أساساً والمهدد بمجاعة فوراً.

وشنت مقاتلات حربية سلسلة غارات على رفح رداً على القصف الكثيف لكرم أبوسالم، فيما أفادت وزارة الصحة في غزة بأن الجيش الإسرائيلي ارتكب 3 مجازر ضد العائلات، وصل منها للمستشفيات 29 شهيداً و110 إصابات خلال الـ 24 ساعة الماضية.

في سياق قريب، زعم رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أن الجيش الإسرائيلي كان قريباً جداً من القضاء على زعيم «حماس» بالقطاع يحيى السنوار خلال العمليات الأخيرة التي تركزت في خان يونس، وطالب الداخل الإسرائيلي بالصبر في مواجهة التحديات الأمنية، بعد تقديرات عبرية بأن الحملة العسكرية وصلت إلى «طريق مسدود» لا يمكن من خلاله الوصول إلى الرهائن المحتجزين، أو تحقيق القضاء على «حماس» كلياً.

إغلاق «الجزيرة»

من جهة أخرى، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي بالإجماع على قرار لإغلاق مكتب قناة الجزيرة القطرية في تل أبيب، وحجب بثّها بعد مداولات دفع إليها وزير الاتصالات بوصفها تؤجج المشاعر ضد الدولة اليهودية في سياق تغطية الحرب بغزة.