الرئيس الصيني يعود إلى أوروبا من البوابة الفرنسية
الخلافات التجارية والهدنة الأولمبية تتصدران وماكرون يبحث عن استفادة مشروطة من «الفرص الصينية»
في ظل العلاقات المعقدة بين بكين وواشنطن، التي ترخي بظلالها على العلاقات الصينية ــ الأوروبية، مع تصاعد التوترات التجارية بين الجانبين، بدأ الرئيس الصيني شي جينبينغ أمس زيارة لباريس، وعقد مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون سلسلة اجتماعات، قبل توجهه غداً إلى صربيا والمجر، في إطار زيارة نادرة تهدف إلى إعادة الزخم لمبادرة الحزام والطريق، التي تلقت صفعة أوروبية بخروج إيطاليا منها.
واستقبل رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال، في مطار أورلي بباريس، الرئيس الصيني وقرينته بنج لي يوان، والوفد المرافق له، والذي يضم مدير المكتب العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي تساي تشي، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب، ووزير الخارجية وانغ يي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي.
ويعقد شي جينبينغ، الذي يحتفل بمرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية الفرنسية -الصينية، سلسلة اجتماعات مع ماكرون، بعد أن أجرى مشاورات الشهر الماضي مع المستشار الألماني أولاف شولتس في بكين، وستتضمن اجتماعات شي الرسمية في قصر الإليزيه أيضاً محادثات مشتركة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، يتوقع أن تثار خلالها النزاعات التجارية.
بكين تؤكد أنه ليست لديها أجندة خفية في المحيط الهادئ وتتشاور مع سيول وطوكيو لعقد قمة ثلاثية
ويُنظم حفل استقبال رسمي للرئيس الصيني بحفاوة بالغة في قصر ليزانفاليد. وقبل مأدبة في الإليزيه، يلتقي ماكرون وشي وجهاً لوجه في اجتماع طابعه سياسي، ثم يتحدثان أمام الصحافة، ويعتزم الرئيس الفرنسي أن يطلب من الصينيين دعم «هدنة أولمبية» لتعليق «كل» النزاعات خلال دورة ألعاب باريس هذا الصيف، في إشارة خصوصاً إلى أوكرانيا.
وقبل زيارة شي، قال ماكرون، لصحيفة لا تريبيون، «نرغب في تحقيق منفعة متبادلة في العلاقات (التجارية)، ومراعاة العوامل التي تؤثر على أمننا الاقتصادي»، مضيفاً: «في أوروبا، آراؤنا ليست متوافقة في هذا الشأن، لأن بعض الأطراف تظل تعتبر أن الصين هي بالأساس سوق للفرص» دون أن يذكر أي دولة بعينها.
وقال مسؤولون، إن فرنسا ستسعى أيضاً إلى إحراز تقدم بشأن فتح الأسواق الصينية أمام صادراتها الزراعية، وحل القضايا المتعلقة بمخاوف صناعة مستحضرات التجميل الفرنسية بشأن حقوق الملكية الفكرية.
خلل وتوتر
وذكرت وكالة شينخوا أن الجولة الأوروبية الأولى لشي منذ خمس سنوات تأتي بموجب دعوة من ماكرون والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش والرئيس المجري تاماس سوليوك ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
وخلال الزيارة، سيحاول ماكرون إقناع نظيره الصيني بالعمل على تقليص أوجه الخلل التجاري بين البلدين، واستخدام نفوذه على روسيا فيما يتعلق بالحرب على أوكرانيا. ولن يتحقق أي من الهدفين بسهولة خلال زيارة الرئيس الصيني، التي تأتي في وقت تتزايد التوترات التجارية بين أوروبا والصين.
وتدعم فرنسا التحقيق الذي يجريه الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات السيارات الكهربائية الصينية، وفي يناير فتحت بكين تحقيقاً في واردات البراندي - الذي يتم تصنيع معظمه في فرنسا - وهي خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رد على مجموعة متزايدة من تحقيقات الاتحاد الأوروبي.
وقال مستشار في الإليزيه، قبل زيارة شي، الأولى له لأوروبا منذ خمس سنوات، «علينا أن نواصل حث السلطات الصينية على منحنا المزيد من الضمانات بشأن القضايا التجارية».
والانقسامات داخل بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27 - وخاصة بين فرنسا وألمانيا - تؤدي إلى تقويض قدرتها على التأثير على الصين. وقالت مصادر إن المستشار الألماني لن ينضم إلى ماكرون وشي في باريس بسبب التزامات سابقة.
وقال نواه باركين، المستشار الكبير في مجموعة روديوم، والمتابع الوثيق للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، إن «النفوذ يطير من النافذة إذا أرسل القادة الأوروبيون رسائل متباينة إلى شي».
وأفاد مسؤولون بأن فرنسا ستسعى أيضاً إلى إحراز تقدم بشأن فتح الأسواق الصينية أمام صادراتها الزراعية، وحل القضايا المتعلقة بمخاوف صناعة مستحضرات التجميل الفرنسية بشأن حقوق الملكية الفكرية.
محادثات أوكرانيا
وبينما يواصل الرئيس الصيني إظهار دعمه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، تحرص باريس على مطالبة بكين بالضغط على موسكو لوقف عملياتها في أوكرانيا، ولم تحقق تقدماً يذكر حتى الآن، باستثناء قرار شي الاتصال بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمرة الأولى بعد وقت قصير من زيارة ماكرون لبكين العام الماضي.
وقال المستشار في الإليزيه: «نظرا لأن الصين أحد شركاء روسيا الرئيسيين، فإن هدفنا هو استخدام نفوذها على موسكو لتغيير حسابات روسيا والمساعدة في المساهمة في حل الصراع».
وذكر مصدر دبلوماسي فرنسي: «إذا كان الصينيون يسعون إلى تعميق العلاقات مع الشركاء الأوروبيين، فمن المهم حقاً أن يستمعوا إلى وجهة نظرنا ويبدأوا في أخذها على محمل الجد».
الحزام والطريق
ومع انسحاب إيطاليا رسمياً من مبادرة الحزام والطريق، بعد أكثر من أربع سنوات على انضمام الدولة الوحيدة في مجموعة السبع إلى المشروع، قال السفير الصيني لدى المجر قونغ تاو إن زيارة شي ستصبح بالتأكيد علامة فارقة ذات أهمية تاريخية كبيرة في العلاقات الصينية - المجرية، إذ إنها تقود العلاقات الثنائية إلى آفاق جديدة وتفتح آفاقا جديدة للتعاون العملي وتكتب فصلاً جديداً في الصداقة التقليدية.
وأضاف: «خلال المرحلة التالية من العلاقات، ستواصل الصين والمجر تعزيز تعاون الحزام والطريق عالي الجودة في مجالات رئيسية، مثل الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود».
وأشار إلى أن التعاون الثنائي أظهر نشاطاً وحيوية على نحو قوي، مضيفاً أن الصين أصبحت مجدداً أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي للمجر وأكبر شريك تجاري لها من خارج الاتحاد الأوروبي في العام الماضي.
وباعتبارها أول دولة أوروبية توقع اتفاقية تعاون الحزام والطريق مع الصين، ظلت المجر على مدى العقد الماضي مركز توزيع قطارات الشحن بين الصين وأوروبا، وحلقة وصل مهمة في ممر النقل اللوجستي بينهما.
المحيط الهادئ
من جهة ثانية، ذكرت السفارة الصينية في نيوزيلندا، أمس الأول، رداً على مخاوف أثارها وزير خارجية نيوزيلندا، أن بكين ليست لديها أي أجندة خفية ولا أهداف جيوعسكرية، في جنوب المحيط الهادئ.
وأكدت أن الصين تستعد لمواصلة العمل مع نيوزيلندا لمعالجة الخلافات، من خلال الحوار البناء، وتابعت أن الصين أحد الضحايا الرئيسيين للهجمات الإلكترونية.
قمة ثلاثية
في غضون ذلك، كشفت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية عن مشاورات نهائية تجرى مع الصين واليابان لعقد قمة ثلاثية، يومي 26 و27 مايو، في سيول.
وقال مسؤول بالوزارة إن الدول الثلاث اتفقت على عقد القمة، في أقرب موعد مناسب للأطراف الثلاثة، مضيفا أنه سيتم الإعلان عن الجدول النهائي، قريبا، حسب شبكة «كيه بي إس وورلد» الإذاعية الكورية الجنوبية أمس الأحد.
وأضاف المسؤول أن الحكومة ستسرع من المشاورات مع الوزارات المعنية، إضافة إلى اليابان والصين لتحقيق نتائج جوهرية من تلك القمة.
ومن المتوقع أن يزور رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا، ورئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشانغ، سيول لعقد القمة الثلاثية مع الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول.