من أكثر الشخصيات الدولية التي «أرعبت» و«أزعجت» نتنياهو في حربه على غزة الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، الذي لم يهدأ منذ اليوم الأول ولم يهادن، بل كان صوته عالياً جداً، وإن كانت سلطاته مقيدة ومغلوباً على أمره، لكنه كان «ضمير العالم» وما تبقى منه تجاه الإبادة الجماعية التي تمارس على الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع كل الدول العظمى الأعضاء في مجلس الأمن.
تحرك من موقعه ومنصبه وإن كان لا يقوى على عمل شيء ملزم، صرخ في وجه الآلة الحربية الإسرائيلية، وقال دون خوف أو تردد المجاعة قادمة، ما يجري تدمير للقانون الإنساني الدولي، ولم يترك فرصة إلا ووقف فيها، وحاول نتنياهو وفريقه الدبلوماسي أن يضع عليه «فيتو»، وافتعلوا معه مشكلة عويصة، وجدوا ضالتهم من خلال اتهام «الأونروا» وبعض موظفيها بالمشاركة في حرب 7 أكتوبر 2023 لكنه انتصر عليهم وإن كانت إدارة بايدن عملت على التخلص من «الأونروا» لكنها لم تستطع أقله حتى الآن، فقد أغلقوا ملف الاتهامات الإسرائيلية بسبب عدم تقديم إسرائيل أدلة تسند مزاعمها، يعني بالعربي الفصيح، فشلت الدولة العبرية في حملتها تلك.
ومن يرصد خط سير المواقف والدعوات التي قام بها «غوتيريش» يلحظ وبسهولة، أن الإدارتين الأميركية والإسرائيلية كانتا عاجزتين عن النيل منه في الأمم المتحدة ومنظماتها، فهو لم ينتقد فقط ويوضح مخالفة إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة وخرقها للقوانين الدولية، بل وضع العالم أمام تحد كبير، إما أن ينصاع هذا الكيان للشرعية الدولية وإلا فسيكون «الجلب والإحضار» لنتنياهو وقادته العسكريين جاهزاً.
صحيح أن إسرائيل داست كل قوانين وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة منذ تأسيسها، لكنها هذه المرة وبكل وقاحة تتهم الأمم المتحدة بأنها «متواطئة» مع الفلسطينيين وتساند «الإرهاب»!!
في النهاية مجلس الأمن ليس أكثر من لعبة بيد أميركا وإدارتها، يسهل التحكم في قراراتها أو معاقبة من تشاء من «الأمناء العامين» إذا خرج عن الدائرة التي حددت له ورسمت من قبلها، أمامنا حالة كوفي عنان الذي سار في الاتجاه المعاكس للسياسات الأميركية الخاصة بالوضع اللبناني وحرب إسرائيل على هذا البلد عام 2006، وانتهى به المطاف إلى مغادرة مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
قبله بطرس غالي الذي اصطدم بالجدار الأميركي بعد أن وضعت عليه «الفيتو»، وتم إقصاؤه وحرمانه من التجديد لولاية ثانية، أثر موقفه من «مجزرة قانا» في جنوب لبنان عام 1996، وحالتا بطرس غالي وكوفي عنان هاتان تظهران الخلل الفاضح في إقامة نوع من التوازن بالسياسة الدولية وضعف مجلس الأمن والأمم المتحدة في حل النزاعات الكبيرة في ظل هيمنة وتفرد دولة واحدة عظمى كأميركا على توجهات «الأمين العام» وإضعافه متى ما أرادت أو تقويته إن رغبت، وكما قيل مراراً، من السهل أن تنحني لقوة عظمى لكن أن تقاوم هيمنتها فتلك مسألة أخرى.
التساؤل المطروح على الدوام: هل الأمناء العامون للأمم المتحدة موظفون كبار أم تابعون، وهل لمجلس الأمن طريق آخر يمكن المرور به غير طريق واشنطن؟
بكل الأحوال هل سيبقى غويتريش في منصبه حتى انتهاء ولايته عام 2026 أم سيتم التخلص منه، علماً أن الموافقة تمت على تمديد ولايته عام 2021 وبإجماع أعضاء مجلس الأمن للمرة الثانية؟