عشية إتمام حرب غزة شهرها السابع، ووسط جهود دبلوماسية إقليمية وأميركية محمومة بهدف تليين موقف طرفي النزاع لإبرام اتفاق تهدئة يمتد 4 أشهر، ألقى الجيش الإسرائيلي منشورات تطالب سكان مناطق شرق مدينة رفح الحدودية مع سيناء بالمغادرة باتجاه «مناطق إنسانية موسعة» في خان يونس والمواصي قرب وسط القطاع.

Ad

وأفاد الجيش الإسرائيلي ببدء عملية إجلاء محدودة النطاق سيتأثر بها نحو 100 ألف غزّي، في وقت نفّذت المقاتلات الحربية غارات جويّة على أحياء طالبت بإخلائها صباحاً، مما تسبب بتدمير 11 منزلاً ومقتل 28 وإصابة نحو 90.

وفيما توقع مراقبون أن تبدأ قوات الاحتلال عملية برية جزئية بالمدينة الحدودية لرفع الحرج السياسي عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يصر على أنه لا يمكنه تحقيق النصر على «حماس» بدونها، أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن حليفه، خلال مكالمة هاتفية تناولت العملية المرتقبة، أن وقف إطلاق النار أفضل وسيلة لحماية الرهائن.

وكشفت تقارير أن بايدن كرر خلال المكالمة التي استمرت نصف ساعة مخاوف واشنطن بشأن شن عملية واسعة في رفح المكتظة بنحو 1.4 مليون نازح، داعياً نتنياهو إلى فتح معبر كرم أبوسالم أمام المساعدات فوراً بعد إغلاقه عقب مقتل 4 جنود إسرائيليين بمحيطه في قصف لـ «كتائب حماس» أمس الأول.

وجاءت مكالمة بايدن قبل وصول مدير الاستخبارات الأميركية المركزية ويليم بيرنز إلى تل أبيب قادماً من الدوحة ضمن جولته الإقليمية الرامية لمنع انهيار مفاوضات التهدئة في ظل تبادل الاتهامات بين إسرائيل و»حماس» بشأن التسبب بعرقلتها.

وأمس، نفى مكتب نتنياهو تسبب تصريحاته الحادة بشأن التمسك بمواصلة الحرب وعدم القبول بشروط «حماس» لوقفها، في منع إتمام اتفاق تمت صياغته في القاهرة الخميس الماضي، في حين أكد مصدر مصري رفيع أن وفداً من «حماس» سيحضر إلى العاصمة المصرية قادماً من الدوحة بهدف مواصلة مفاوضات وقف إطلاق النار اليوم.

ورغم مؤشرات التصعيد الميداني، حرص طرفي النزاع على التأكيد على مواصلة التفاوض، في حين صدرت تحذيرات من الأمم المتحدة وعدة عواصم عربية وأوروبية، بينها الرياض والقاهرة وعمان وباريس وبرلين، بشأن الاجتياح المرتقب لرفح، واحتمال وقوع مجزرة بحق المدنيين.

وفي حين بدأت آلاف العائلات مغادرة أحياء شرق رفح، أكدت «كتائب القسام» التابعة لـ»حماس» أنها «على أتم الاستعداد للدفاع عن شعبنا، ودحر هذا العدو، وإجهاض مخططاته، وإفشال أهدافه».

وبعد هذه التطورات، أعلنت «حماس» أن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية اتصل برئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، ووزير المخابرات المصرية، وأبلغهما موافقة الحركة على مقترح وقف إطلاق النار.

وفي تفاصيل الخبر:

في محاولة لتشديد الضغوط الميدانية على «حماس»، التي لم ترد رسمياً حتى الآن على مقترح صفقة تبادل المحتجزين والهدنة، المطروح من الوسطاء المصريين والقطريين بتنسيق مع الولايات المتحدة، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية إجلاء «محدودة النطاق»، سيتأثر بها نحو 100 ألف غزّي طالبهم بالنزوح من الجزء الشرقي في مدينة رفح، الحدودية مع سيناء المصرية، إلى «مناطق إنسانية موسعة» في مدينتي المواصي وخان يونس أمس.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن عملية الإجلاء ستتم تدريجياً بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية على الخطط، مضيفاً أن المناطق التي سينتقل إليها النازحون مزودة بالخيام والطعام والمياه والأدوية إضافة إلى مستشفيات ميدانية، ودعا المدنيين إلى الانتقال لـ«المنطقة الإنسانية الواقعة قرب وسط القطاع وتجنب التوجه إلى شمال وادي غزة، أو الاقتراب من السياجين الأمنيين الشرقي والجنوبي» للمنطقة المحاصرة.

وأشار إلى أن العملية التي تثير مخاوف دولية وإقليمية كبيرة بشأن سلامة المدنيين، تأتي في إطار مسعى إسرائيل إلى تفكيك «حماس»، قائلاً إن الحركة أظهرت قدرتها على شن هجمات من المدينة بعد إطلاقها صواريخ من رفح أمس الأول، مما أدى إلى مقتل 4 جنود إسرائيليين بالقرب من معبر كرم أبوسالم.

وسبقت الدعوة الإسرائيلية، التي وجهت إلى الأهالي عبر منشورات تم إسقاطها جواً وعبر رسائل هاتفية نصية، تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مع نظيره الأميركي لويد أوستن ليل الأحد - الاثنين، عن التحرك الذي تصر واشنطن على معارضته دون وجود خطط واضحة لحماية المدنيين. وقال مكتب غالانت، في بيان، إنه أبلغ أوستن أن «العمل العسكري مطلوب في رفح، في ظل عدم وجود بديل»، بسبب تعثر المحادثات بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

واتهم البيان الإسرائيلي الحركة الفلسطينية بأنها «غير جادة» فيما يتعلق بأطر إطلاق سراح المحتجزين، بعد أن شددت على أنها لن تقبل باتفاق لا يشمل إلزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإنهاء الحرب.

تفاوض وتشاؤم

في غضون ذلك، أكد مسؤول إسرائيلي لموقع أكسيوس الأميركي أن نقطة الخلاف الرئيسية في مفاوضات الهدنة هي موضوع إنهاء الحرب، بينما نقلت أوساط عبرية عن مصدر مسؤول قوله إن «هناك تشاؤماً كبيراً بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاقات في المفاوضات، ولذلك الاتجاه هو التقدم بالعملية في رفح، لكن لا تزال هناك محاولة لإنقاذ الوضع».

وعندما سُئل المسؤول عما إذا كان الإعلان بشأن رفح قد استقبل بمعارضة أميركية، أكد أنه «ليس من فراغ تصريح نتنياهو أمس الأول بأن أي ضغط دولي لن يوقف إسرائيل عن الدفاع عن نفسها».

وجاء ذلك في وقت ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن مدير الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA»، وليام بيرنز، سيزور تل أبيب، في أعقاب القاهرة والدوحة، لـ«منع نسف» مفاوضات التهدئة التي وصلت إلى مرحلة حساسة.

وأضافت الهيئة أن بيرنز سيلتقي نتنياهو ومسؤولين كبارا في الأجهزة الأمنية، بعد أن يختتم زيارة بدأها أمس للعاصمة القطرية لعقد اجتماع طارئ مع رئيس الوزراء وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن، الذي يرأس جهود الدوحة في الوساطة بالمفاوضات.

وتحدث المسؤول عن سعي بيرنز إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على طرفي الحرب لمواصلة المفاوضات الرامية لإبرام اتفاق يسمح بإطلاق المحتجزين الإسرائيليين وإقرار هدنة تمتد 4 أشهر، لكسب الوقت وتبريد الأزمة التي تهدد باشتعال المنطقة.

ووسط ارتفاع مؤشرات القلق الأميركي من تدهور الأوضاع الإنسانية في المدينة المكتظة بنحو 1.4 مليون نازح، أفيد بأن الرئيس الأميركي جو بايدن سيجري مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن رفح التي يصر الأخير على أنه لا مجال لهزيمة «حماس» من دون اجتياحها للقضاء على كتائبها العسكرية المتبقية بها.

وأمس، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، عن مسؤول إسرائيلي، أن «إسرائيل وحماس كانتا أقرب إلى التوصل لاتفاق هدنة قبل يومين، لكن تصريحات نتنياهو بشأن رفح أجبرت حماس على تشديد مطالبها»، وأفشلت الخطوة، وهو ما نفاه مكتب رئيس الوزراء في بيان رسمي.

مطالب وإلزام

في المقابل، وصف القيادي الكبير في «حماس» سامي أبوزهري الأمر الإسرائيلي بإخلاء رفح بـ«التصعيد الخطير»، بينما حذرت رئاسة السلطة الفلسطينية إسرائيل من ارتكاب «أكبر إبادة جماعية» باجتياح رفح، مطالبة الإدارة الأميركية «بالتدخل الفوري لمنع وقوع هذه المجزرة التي نحذر من تداعياتها الخطيرة».

لكن المتحدث باسم الحركة الفلسطينية عبداللطيف القانوع أكد استمرارها في المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق ملزم لنتنياهو بإنهاء الحرب، مشيراً إلى عقد اجتماع تشاوري داخلي ومع الفصائل في الدوحة بهدف تسليم الرد الرسمي للوسطاء.

كما ألقى أحد المسؤولين في الحركة باللوم على نتنياهو، الذي امتنع عن إرسال وفد للمشاركة في جولة التفاوض الأخيرة، وأعلن أنه سيواصل الحرب ويجتاح رفح حتى لو وافقت «حماس» على المقترح المقدم من مصر، وهو ما عمق شكوك الحركة بشأن نوايا نتنياهو الحقيقية، واحتمال تطبيقه للمرحلة الأولى من الاتفاق، ثم الانسحاب منه ومواصلة الحرب.

وكشف المسؤول أن رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل عقد اجتماعاً مع وفد الحركة قبيل مغادرته، أمس الأول، وطمأنهم بأن الدول الثلاث، الولايات المتحدة ومصر وقطر، ستواصل جهودها من أجل الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.

وتزامن ذلك مع تأكيد مصدر مصري رفيع استمرار القاهرة في تكثيف اتصالاتها لاحتواء التصعيد الحالي بين الطرفين، خصوصاً بعد أن «تسبب قصف كتائب حماس لمعبر كرم أبوسالم في تعثر مفاوضات الهدنة».

ومع تزايد المخاوف الإقليمية والدولية من انهيار مسار التفاوض بشكل كامل، والعودة إلى العمليات العسكرية الكبيرة التي هدأت إلى حد ما خلال الفترة الماضية، وما قد يصحبها من ارتدادات على جبهات أخرى خاصة بجنوب لبنان والبحر الأحمر، حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من «الفشل في منع اقتحام رفح».

جاء ذلك قبل اجتماع بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي في البيت الأبيض، لماقشة تداعيات استمرار الحرب التي أودت بحياة 34 ألفاً و735 شخصاً أغلبهم من النساء والأطفال.

نزوح وتحذيرات

ميدانياً، بدأ الآلاف مغادرة شرق رفح إلى مناطق وسط القطاع المدمر جراء الحرب المتواصلة منذ 7 أشهر، بينما أكدت «كتائب القسام» أنها «على أتم الاستعداد للدفاع عن شعبنا، ودحر هذا العدو، وإجهاض مخططاته وإفشال أهدافه».

وجاء النزوح في وقت شنت مقاتلات إسرائيلية سلسلة غارات عنيفة على عموم مناطق القطاع، ما تسبب في مقتل 52 بينهم 29 في قصف استهدف 11 منزلاً بمناطق مختلفة في رفح ليل الأحد ـ الاثنين.

وحذرت وكالة الأونروا من زيادة المعاناة والوفيات بين المدنيين جراء الهجوم المرتقب، لكنها قالت إنها «لن تغادر المدينة، وستبقى أطول فترة ممكنة لمواصلة تقديم المساعدات المنقذة لحياة الناس».

على الجانب الآخر من الحدود أعلن مصدر مصري مسؤول رفع حالة التأهب في شمال سيناء مع بدء العملية الإسرائيلية، نافياً ما تردد بشأن غلق معبر رفح البري بين القطاع الفلسطيني وسيناء أمام حركة دخول المساعدات لغزة التي تواجه خطر المجاعة.

وعلى جبهة أخرى، فجر الجيش الإسرائيلي نقطة طبية في مخيم طولكرم، بعد اشتباكات مسلحة عنيفة لليوم الثاني على التوالي في المنطقة الواقعة بالضفة الغربية المحتلة.