• هل يكتب المستشار محمد الخطيب رواياته بروح القانون؟

- القانون وروح القانون ورجاله، ألفاظ أحاول تجنبها دائماً عند الكتابة، بل أتمنى أن يتناساها القارئ تماماً عند قراءة أحد أعمالي. تلك الكلمات في الغالب تسبِّب حاجزاً نفسياً عند القارئ أتمنى إزالته. بمجرد أن تُذكر يتهيأ للقارئ أن الأمر يتعلق بنص مادة في قانون أو حكم محكمة، صورة ترتسم في ذهنه لشيخ يجلس ويهز جسده للأمام والخلف، في محاولة لتحصيل ما يستطيع من كلمات وجُمل، وكأنه يقرأ ألفية «عزم الشباب هو القضاء ومبتغاه هو القدر». روب يرتديه أحد القضاة في منزله، ويدخن البايب منعزلاً عن الجميع، أو محامٍ يحاول أن يقتنص من هذا وذاك. صورة لا أريدها، وأعتقد أنها تضع جداراً بين القارئ والكاتب. أنا أفضِّل الونس، ولو كنت منفرداً، فدائماً إلى جانبي أصوات، ولو كانت خافتة جداً. أما إذا كان المقصود أنني ألتمس بعض المنطق في كتاباتي، فإن الفكر المنطقي لا يرتبط بجامعة أو دراسة بعينها أنها فكر إنسان، فقد يكون رجل قانون ونجد تفكيره عشوائياً جداً، والعكس، أي كاتب في تقديمه لعمل يكون بدايته وحبكته ونهايته متعلقة بالمنطق، إما وفقاً له، أو يخالف بالكلية للمنطق عن قصد.

Ad

أسطورة حُب صوفية

• «حارة الصوفي» رواية صدرت لك حديثاً، نود إلقاء الضوء على أبرز ما تضمنته؟

- حارة الصوفي موجودة بقلب القاهرة- شارع عدلي (المغربي)، وتطل على شارع عبدالخالق ثروت (المناخ)، قد تبدو مثل غيرها من الحارات، لكن بمجرَّد أن تدلف إليها، فإنك في لحظة تنتقل مكانياً إلى السودان. كل شيء بنكهة سودانية، المطعم السوداني، والمقهى السوداني، والحلاق السوداني، جميع مَنْ بها من الإخوة السودانيين، في قلب القاهرة، لكن لا تشعر بهم، هي كنز لا يشعر به أحد، أنت في مصر، وتنتقل في لحظة إلى السودان، اجتمعت الدولتان في حارة.

من أعمال الخطيب

وتتحدث الرواية عن حارة في قلب القاهرة، يقطنها السودانيون الذين جيء بهم بعد فتح مصر للسودان، فصار السودان في قلب القاهرة بأطيافها وأبنائها، عاش بينهم مصري، بعدما أنهى عمله في الجندية بالجيش المصري في السودان، وهي رواية تختبر المشاعر الحقيقية بين المصريين والسودانيين، بأن أوجدت هدفاً يتصارعون عليه، وفي ذات الوقت أوجدت عدواً واحداً لهما، وهو الاستعمار. كل هذا في إطار خلفية تاريخية تبرز أحداثاً مهمة جداً مؤثرة على تاريخ مصر والسودان، ولم يلق عليها الضوء الكافي لإبرازها، منها الثورة المهدية في السودان، وكيف كان لها عظيم الأثر على مصر.

حبكة البناء

• لماذا اعتمدت على الكثير من الكلمات من تراث وعادات السودانيين في لغة السرد ورسم الشخصيات؟

- السارد يتطبَّع بالفترة التي يتحدث عنها بالاطلاع والتحقق من المعلومات. السارد يجب أن يرسم جغرافيا المكان. مكان الرواية بالطبع يجب أن يهتم برسم السلوك، ورسم الملابس، ورسم الألفاظ المستخدمة. في البناء السردي للرواية هناك السرد، والحوار، والأخير تتهيأه دائماً بصورة عامية بين الأهل أو الأصدقاء أو زملاء العمل، فلن يستخدم أحدهم الفصحى في الحديث. والرواية تتعلق بجزء مهم من المجتمع السوداني، فكيف سيكون الحديث؟ يجب أن تستخدم الألفاظ التي يستخدمونها بالفعل. مجرد استخدامي لعبارات مصرية عند الحديث بين شخصين من السودان ينال من مصداقيتي. يجب ألا تكون هناك غربة بين الكاتب والقارئ. ومن ناحية أخرى يجب التحقق من صدق المعلومات والتيقن منها، ففي أحد مشاهد الرواية، وبالتحديد في عام 1914، احتجت إلى أن تصل بطل الرواية معلومة معينة، فحررت المشهد باعتبار المذياع قد ذكرها. عندما أنهيت المشهد انتابني بعض الشك، هل كان هناك مذياع؟ فاضطررت إلى البحث، وبالفعل صدق ظني، فالمذياع لم يبدأ في مصر إلا عام 1934، وبالتالي غيَّرت المشهد، واستبدلته بمجلات وجرائد. أسماء الشوارع كانت مهمة جداً، فشارع عدلي لم يكن «عدلي» وقت الرواية، بل كان «المغربي»، وعبدالخالق ثروت نفس الشيء، كان يُطلق عليه «المناخ»، بل انتابني بعض الشك في أسماء الشوارع، نتيجة أحداث متلاحقة ومتسارعة حدثت للأسرة المالكة، فشارع الملكة نازلي كان «عباس الأول»، الذي أصبح شارع رمسيس وقت حُكم الملك فاروق، فيجب أن تعيش الفترة التي تتحدث عنها وبأدق التفاصيل.

خبرات الكتابة

• كرجل تعمل في السلك القضائي، هل أثر المنصب في كتابتك؟

- إبداع الإنسان في نهاية الأمر هو محصلة لخبراته، سواء في إطار أسرته أو عمله أو مجتمعه بصفه عامة، خبرات حياتية تجتمع وتنتج نصاً لا تستطيع أن تدَّعي أن هذا العمل نتيجة علاقاتي مع الأصدقاء فقط، أو هذا العمل عصارة فكري وخلاصة أفكاري الناتجة من علاقتي بجيراني فقط. لا يمكن أبداً أن تستقبل الأحداث بما تحمله من أشخاص لتعبر عبر أثير الذهن، ثم تعبر من خلال قنوات الكتابة والإلقاء، لا تمييز بين هذا وذاك، كلها نتائج عن خبرات متداخلة، لكن في النهاية لم تطغ مهنتي على أدبي، لأن الإبداع الأدبي لا يخضع لمنطق القاضي، خصوصاً أن الرواية انعكاس لمشاعر إنسانية لا تتغيَّر بتغيُّر العصور.

• هل تتفق مع المقولة الشهيرة لنجيب محفوظ «عندما أكتب لا أعبأ بأي شيء، أكتب فحسب»؟

- نعم، عندما أكتب لا أعبأ بشيء، أكتب فقط، لكني أعبأ بكل شيء عند مراجعتي للنص.

حريق القاهرة

• في رواية «واحترقت أوراق القضية» كانت الشخصيات التاريخية في صدارة المشهد والاعتماد على العديد من المراجع التاريخية؟

- حريق القاهرة كان جريمة جنائية بمعنى الكلمة، وتم التعامل معها على أنها جريمة سياسية بصدور المرسوم بقانون 241 لسنة 1952، باعتبار كل الجرائم التي وقعت من 26 أغسطس 1936 إلى يوليو 1952 جريمة سياسية، أي لن يكون هناك إعدام لأحد. جريمة أعتقد أنها لم تستوف تحقيقها الجنائي بشكل جيد. كانت هناك محاولة لإنهائها بأي شكل. كل المصالح اتفقت على غلق تلك الصفحة. الشبهات طالت الجميع، لكن ما الفائدة بعدما اتفقت جميع المصالح على غلق هذا الملف. الرواية محاولة لإلقاء الضوء على بعض الأدلة الجنائية التي تم إغفالها، لذا كان من المهم جداً الاستعانة بالمراجع، سواء الخاصة ببعض الأحداث أو الشخصيات، والمشاهدة أيضاً لأماكن الحريق. أعتقد أن هذا من شأنه إعطاء نوع من المصداقية في إشارات الرواية.

• لماذا يلعب المكان دوراً بارزاً في كتابتك؟

- حقيقة أدركها وأؤمن بها كثيراً، أن المكان شاهد على أحداث الزمان، يذهب البشر ويبقى المكان، كل مكان يحمل قصصاً كثيرة لأشخاص عاشوا هنا، ثم صاروا من الماضي... «إن نطق الحجر لصار أفضل راوٍ». أنا أجلس إلى جانبه أحاول أن أستمع له أو أتخيله هكذا.

• ماذا عن كتاباتك السردية الجديدة؟

- أترقب هذا العام صدور أحد الكتب التاريخية، وأعمل على رواية جديدة.

الخطيب في سطور

يشغل الروائي محمد الخطيب منصب نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، وعضو اتحاد كُتاب مصر- شعبة الرواية، صدرت له عدة روايات، منها: «البهلوان»، و«أخطر الرجال»، و«تحت الحصار»، و«أرض بلا ظل»، و«احترقت أوراق القضية»، وعدة كتب تاريخية، منها: «قضايا الدولة عبر التاريخ»، و«عصر النخبة»، و«قناة السويس من المهد حتى التحرير».